التفاؤل والتشاؤم في روايات نجيب محفوظ

التفاؤل والتشاؤم في روايات نجيب محفوظ

 

بقلم: د.عمر محفوظ 

 

تتسم تجربة نجيب محفوظ السردية بقدرتها المدهشة على ملامسة الأوتار الخفية للنفس الإنسانية، وهي إذ تفعل ذلك، تمزج بين نزوع أصيل إلى الأمل وبين إدراك عميق لمآلات الانكسار. ليست ثنائية التفاؤل والتشاؤم عند محفوظ مجرد موقف وجداني طارئ، بل هي إستراتيجية فنية تشكل العمود الفقري لرؤيته للحياة والمجتمع.

بين القصرين والكرنك واللص والكلاب

 

في “بين القصرين”، نقرأ ذلك الحوار البسيط بين كمال وأمه حين يقول: “إن الغد سيكون أجمل، يا أمي، سنعيش كما نشتهي”، فتجيبه بنبرة واقعية: “الغد بيد الله، يا بني، وليس بيدنا”. هذا التوازن بين حلم الابن وواقعية الأم يلخص بنية الأمل المقيّد التي تتكرر في معظم نصوص محفوظ؛ تفاؤل محاط بوعي حدوده.

أما في “اللص والكلاب”، فإن سعيد مهران يكثّف رؤية تشاؤمية حادة: “الناس كلهم كلاب، والمدينة كلها فخاخ”. ومع ذلك، تومض جملة أخرى في النص تكسر حدّة اليأس، حين يهمس لنفسه: “لابد أن أجد من يفهمني”، وهي ومضة قصيرة لكنها تكفي لتفتح منفذًا ضيقًا نحو الأمل، حتى وإن كان سرابًا.

في “الكرنك”، تتجسد ذروة التشاؤم في اعتراف أحد المعتقلين: “لقد قتلوا فينا القدرة على الحلم”، ومع ذلك، يختم محفوظ المشهد بعبارة على لسان زينب: “لكن الشمس لا تموت”. هذا الانتقال من العتمة إلى الإشراق الخجول يكشف مهارة محفوظ في صياغة مفارقة جمالية، حيث يجاور النفي الإيجاب، واليأس الرجاء.

الحرافيش والمشروع الأخلاقي

 

وفي “الحرافيش”، يعلو صوت التفاؤل في وصية عاشور الناجي: “العدل أساس الملك، ومن أحب الناس أحبوه”. لكن محفوظ لا يترك التفاؤل بلا اختبار، إذ يكشف في الأجيال التالية عن فساد العدل وضياع المحبة، ليتحول النص إلى دورة متكررة بين النهوض والسقوط، وكأن التاريخ نفسه يتأرجح بين وعد وخيانة.

التأمل في هذه النصوص يفضي إلى نتيجة جوهرية: أن التفاؤل عند محفوظ ليس حالًا رومانسية معزولة، بل هو مشروع أخلاقي يتأسس على الفعل الإنساني، فيما التشاؤم ليس انكفاءً عدميًا، بل هو إنذار مبكر من مصائر محتملة. إنه يمنح قارئه أملًا واعيًا، ويحمّله في الوقت ذاته مسؤولية تحويله إلى واقع.

هكذا، يثبت محفوظ أن الرواية قادرة على تمثيل الحياة في صورتها الكاملة؛ لا بيضاء تمامًا ولا سوداء بالكامل، بل فسيفساء من الظلال والأنوار، حيث لا يكتمل المعنى إلا بحضورهما معًا.

كاتب المقال

الكاتب والناقد / د .عمر محفوظ

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.