التواضع..أوسع باب لغزو القلوب

دكتور/ عادل المراغي..

من أبرز الأخلاق التي أشاعها الإسلام بين أتباعه كي يسود الحب «خلق التواضع»، فالمسلم الحق ليس متكبراً ولا مغرورا، وهو أيضا ليس وضيعاً ذليلاً يقبل الهوان ويرضى بأن تهدر حقوقه ويتعرض للظلم والقهر من دون أن يتحرك ليسترد حقوقه وينال كرامته.
والتواضع يعني عدم التعالي والتكبر على أحد من الناس، فالمسلم مطالب باحترام الجميع مهما كانوا فقراء أو ضعفاء، أو أقل منزلة منه، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتواضع من خلال أمره لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين»، أي تواضع للناس جميعا.. ويقول صلى الله عليه وسلم في مدح خلق التواضع: «طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل نفسه من غير مسكنة»، وهذا يعني أنه لا يجوز للمسلم أن يبالغ في التواضع لدرجة مذلة النفس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والتواضع – كما يقول علماء الأخلاق – شعور داخلي ينعكس على سلوك الإنسان، ولذلك قال الحكماء: «إذا تواضع القلب خشعت الجوارح».
وقد سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: «أن تخضع للحق وتنقاد إليه، ولو سمعته من صبي قبلته»، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:( لا يحقرن أحد أحداً من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير)
والتواضع مع الناس بألا يتكبر عليهم، وأن يعترف بحقوقهم، وأن يتعامل معهم بود ورفق ورحمة، وأن يؤدي لكل منهم حقه، بدءاً بأهل بيته وانتهاء بأبسط الناس وأضعفهم من خدم وفقراء ومتسولين وغيرهم.
وبهذا يكون التواضع أساس كل الفضائل والقيم النبيلة والسلوكيات الحميدة.
والتواضع صفة من أجلّ الصفات التي يتصف بها الإنسان، وهي تدل على طهارة النفس، وتدفع إلى المودة والمحبة والمساواة بين أفراد المجتمع، وتنشر الثقة والترابط الإنساني بينهم، وتمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس.. يقول صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، كما يقول عليه الصلاة والسلام: «من تواضع لله رفعه الله»، وقال في حديث ثالث: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد».
لقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على التمسك بفضيلة التواضع، والبعد عن رذيلة الكبر والتعالي على الناس، لما في التواضع من سلوك وخلق طيب يجلب لصاحبه حب الناس وتقديرهم وثقتهم، ولما في رذيلة الكبر من سوء خلق وكبرياء زائف من شأنه كراهية الناس لمن يتصف به.. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة.. قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس».
والتعالي والتكبر على الناس، واحتقار أوضاعهم المادية، أو مكانتهم الاجتماعية، سلوك قبيح لا يليق بمسلم، فضلاً عن أنه يؤدي دائما إلى التشاحن والتشاجر والعنف الدموي، وهذا ما نراه في الشوارع، وفي الجامعات والنوادي وميادين العمل بل حتى داخل البيوت حيث نرى أنماطاً غريبة من العنف بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة عدم التعامل بتواضع وحسن خلق بين الأشقاء والأقارب.
ومن الملاحظ أن التخلي عن التواضع يجعل الإنسان يعيش في توتر وقلق واضطراب، ذلك أن الكبر والغرور والتعالي على الناس تزرع في النفوس الأحقاد والضغائن وتغري بالظلم والعدوان، وقد أفسدت هذه الرذائل حياة كثير من الناس، وخاصة الشباب الذي يتعالى على الناس.
ولنعلم أن التواضع عكس التكبر، فالأول صغير في عينه كبير في أعين الناس، والثاني كبير في عينه صغير في أعين الآخرين، والمتواضع يقبل الحق ولا ينقاد للباطل ولا يبخس أقدار الناس ولا يسفه الحق، تجده منصفاً لنفسه وللآخرين.
إن خصال المتواضع في صورته المثالية تعني الاقتداء بنبي الهدى صلى الله عليه وآله وسلم الذي ربي أمته على فضيلة التواضع وطبقه قولاً وفعلاً، والذي قال (إنما أنا عبد.. آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد).
وكان عليه الصلاة والسلام يركب الحمار، ويعلف البعير، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويحلب الشاة، ويأكل مع الخادم، ويصافح الغني والفقير على حدٍ سواء، وكانت الجارية الصغيرة تأخذ بيده بتسير به في طرق المدينة حيث شاءت حتي يقضي لها حاجتها ،كما أنه عليه صلوات الله وسلامه يحترم من سبقه من أنبياء الله عليهم السلام جميعاً، عن أنس رضي الله عنه قال: إن رجلاً قال لمحمد -صلى الله عليه وسلم- يا خير البرية، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: خير البرية إبراهيم عليه السلام. وعندما سئل عن أكرم الناس قال إنه يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله.
إننا وبكل أسف في هذا العصر الذي كثرت فيه المغريات وتبدلت فيه كثير من المفاهيم واختلت فيه الموازين، أصبح الكثير منا يتعامل مع التواضع وكأنه من أنواع الذلة والضعة، ويعتقد البعض أن التكبر يعني الرفعة والعزة، وهذا خطأ فادح لأن الإسلام يفرق بين التواضع والتذلل، فهو يدعم التواضع ويشجع على ممارسته، وينكر التذلل والضعة وينهى عن التعامل معها.
وحتي يسود الحب بيننا يجب أن يكون تعاملنا مبنياً على احترام المكانة والقيمة الإنسانية للجميع بغض النظر عن اللون أوالمنصب أوالدين أوالجنس أوالمال أوالجاه أوالنسب أوالحسب.
ولنعلم أن المتواضع من لم ير لنفسه مقاماً ولا حالاً ولا فضلاً على الآخرين.
وتذكروا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحمل قربة ماء ويحمل الدقيق علي كتفه وهو خليفة المسلمين، وكان يدهن البعير الأجرب بالقطران ،بل كان رضي الله عنه يتعهد عجائز المدينة ويكنس لهن البيوت ويقضي لهن الحاجات ،وأن علياً رضى الله عنه كان يحمل التمر، ويخرج الماء من البئر وله بكل دلو تمرة.
إنها دعوة للتحاب والتقارب والتآلف يكون للتواضع الدور البارز فيها، وهل أحد منا لا يريد أن يرفع الله قدره بتواضعه، وهل هناك من لا يريد كسب حب الناس؟
قال الشاعر:
تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكُ كالدخّان يرفع نفسه
إلى طبقات الجوّ وهو وضيع

وما رأيت متواضعاً إلا محبوباً ولا متكبرا إلا ممقوتا ،جزاءا وفاقا،فمن ترك الكبرياء لله رفعه الله وزرع له المحبة في قلوب الخلق ،ومارأيت متكبرا إلا فارغاً جاهلاً
قال الشاعر:-
ملأى السنابل تنحني بتواضع
و الفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ

فما تكبر أحد إلا لنقص يشعر به ولمرض نفسي عشعش في صدره، وما تواضع إلا رفيع وما تكبر إلا وضيع.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.