“نجيب محفوظ “أديباً كبيراً عاش أكثر من تسعين عامًا، كتُب في الأدب والقصص الكثير ،وحكى لنا العديد من الحكايات التي تجعلك تعيش داخل واقعها ، ألف أكثر من 50 راوية وكان أول أديب عربي يحصل على جائزة نوبل ، أعماله خالدة بعد وفاته ،لكن يظل العمل الأقرب لقلوب العامة والمثقفين وجميع الفئات معاً هو “الثلاثية ،التي أبدع من خلالها وجسد شخصيات من تراث المجتمع المصري وأصبحت تحفة فنية رائعة .
كتبت “الثلاثية”على شكل قصة طويلة كاملة وقسمت لـ3 أجزاء وهي “بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية”، والأجزاء الثلاثة يتحدثون عن رحلة السيد “أحمد عبد الجواد” الملقب بسي السيد وزوجته أمينة وأبنائه.
نجيب محفوظ استوحى عناوين رواياته الثلاث من أسماء شوارع رئيسية شهيرة في مدينة القاهرة، وهي نفس المناطق التي عاش بها محفوظ في مرحلة طفولته .
وحكى محفوظ عن أحمد عبد الجواد ذلك الرجل المستبد الظالم ، الذي يسيطر ويقسى على زوجته وأولاده، هو الأب والزوج الديكتاتور المسيطر في بيته ،فهو في بيته رجل ملتزم تقي محافظ على الصلوات، ويمتلئ قلبه بالإيمان والخشوع، ولكنه خارج المنزل عكس ذلك تماماً العربيد ومرح وأبن نكتة ، ويعشق الأنس
والفرفشة، وزوجته أمينة، تلك الزوجة المطيعة لزوجها فهي لا ترد له أمر، لا يشغل بالها سوى إرضائه.
وتحدث محفوظ عن أبناؤه “ياسين، فهمي، كمال، عائشة، خديجة”، لكل واحد منهم عالمه الخاص رغم البيت الذي يجمعهم، الأول هو أكبر الأبناء واكتسب من أبيه حب الحياة والمرح، يتزوج أكثر من مرة خلال الرواية، والثاني طالب جامعي ثائر يحلم بمجتمع مثالي، والثالث امتازت شخصيته بطابع فلسفي في تفكيره أو حواره مع نفسه والآخرين، أما أبنته “عائشة”، فهي فتاة جميلة لا تهتم إلا بزينتها، طائعة لزوجها وحماتها، و”خديجة” ربة بيت من الطراز الأول مثل والدتها، إلا أنها كانت حادة الطباع مع زوجها وحماتها، وتزوجوا من أخين شقيقين. في بيت واحد .
وفي الجزء الثالث “السكرية”، يبدأ محفوظ في ختام روايته، وختام شخصياته، أن يوضح الأوجه السياسية التي كانت متواجدة في حينها بزيادة والذي أوضحه من خلال مشهد حديث الشاب “أحمد” الشيوعي “ابن خديجة” مع خاله حيث يقول: “إنني أؤمن بالحياة وبالناس، وأرى نفسى مُلزمًا باتباع مُثلهم العليا ما دُمت أعتقد أنها الحق، إذ النكوص عن ذلك جبن وهروب، كما أرى نفسي مُلزمًا بالثورة على مثلهم ما اعتقدت أنها باطل إذ النكوص عن ذلك خيانة”.
مزج نجيب في الثلاثية بين دراسة التاريخ و المتعة الفنية بوضوح في سطوره ، وحرص من خلالها محفوظ على رصد الأحداث التاريخية البارزة التي مرت على البلاد في الزمن الذي تدور به أحداث الرواية منذ 1917 وحتى ثورة 1952 واوضح كل مافيها من تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.
الثلاثية كانت من الروايات المختلفة عن غيرها كانت خالية من الصراع الصريح الذي اعتمد عليه في كتاباته الأخرى وأكثر ما ميز الثلاثية أن محفوظ أضاف الطابع الكوميدي وكانت الشخصيات معظمها معبرة عن الطابع المصري الأصيل ،حيث ركز بدرجة كبيرة على النمط الإنساني وصراعاته الداخلية التي عانت منها في الرواية جميع الشخصيات ، والاستبداد الإنساني من سي السيد على زوجته المغلوب على امرها والتي لا حول لها ولا قوة وأبرزت الثلاثية أساليب القهر واستبداد قوات الأحتلال الإنجليزي على الشعب المصري ،
الثلاثية رصدت ببراعة شديدة التحول الاجتماعي في مصر، وتتناول حال النساء من البرقع والحياة المنغلقة واستبدادها حتى خروج المرأة للحياة العامة والتعليم، متمثلة في شخصية “أمينة” التي بدأت الثلاثية خاضعة، وأنهاها بمنتهى النشاط، بينما يجلس “سي السيد” قعيدا ينظر إليها من شرفة المنزل.
بعد ماكتب نجيب الثلاثية قرر فجأة بعد قيام ثورة يوليو 1952م ، أن يتوقف لفترة عن الكتابة ،وقال أنه أجهد في كتابته للثلاثية ،وقال انه وفقد رغبته في الكتابة تمامًا، حيث كان يحلُم بمجتمعِ يقوم على قيم ثابتة أولها الحرية والعدالة الاجتماعية والعلم والقيم السامية المستمدة من جميع الأديان.