الجاهل المتعلم
بقلم/ حاتم ابراهيم سلامة
—————
الجاهل المتعلم
—————
من أغرب صور الحياة التي يحار المرء أمامها ويعجب منها هي صورة ذلك الجاهل المتعلم!
نعم فربما تراه حائزا على أعلى الشهادات، وهو في نفس الوقت جاهل وغبي وأحمق ضعيف الوعي والتفكير، رأيه خاطئ وفهمه مظلم وإدراكه ضبابي.
لقد عرفت من زمن أن هناك فرق كبير بين الثقافة والتعلم، فيمكن أن تكون مهندسًا أو طبيبا أو أكاديميا في الجامعة، لكنك ليس بالشرط أن تكون مثقفا، لأن الثقافة لها منحى آخر وطرق مختلفة.. والذين يخلطون بين الثقافة والتعليم لا يفهمون شيئا، فما زلت أتذكر صورة عالم الذرة الهندي الذي يشرب بول البقرة ويعبد البقرة ويسجد للبقرة، فأين ذهب علمه وفهمه وألمعيته وعبقريته، وهل نفعته حينما جعل الانسان أرقى مخلوقات الله ،يسجد للحيوان؟!!
وتأتي بشاعة هذه الفئة أو هذه الطائفة وهم كثر حينما يرفضون أن يقروا بأنهم جهلاء أغبياء، فإذا بهم يقحمون أنفسهم في كل ميدان يفتون فيه بلا علم ولا فهم لأنهم يرون أنفسهم متعلمين.
كنت أعرف رجلا نال الشهادة العالية من دار العلوم، وصار آية في النحو العربي، وحفظ سيلا مدرارًا من الشعر العربي قديمه وحديثه ودرس على يد أعلام اللغة وفقهائها، أما عقله فكان تافها، وأما رأيه فكان معوجا، وأما أفقه فكان محدودا، وأما إدراكه فكان ساقطًا في كل شيء.
وعلى النقيض عرفت رجلا آخر نال دبلوم التجارة، لكنه كان على خلافه تماما مثقفا فاهما واعيًا سديد الرأي، ناجح التفكير واعي الفهم سليم التحليل بعيد النظر.. حتى أيقنت أن الثقافة فعلا لا دخل لها بالتعليم.
الثقافة هي المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط والتي تشكل الفكر الشامل للإنسان فتكسبه أسباب الرقي، مثل التاريخ والأدب والتفسير والفنون واللغة والفقه والحديث، وكان رسولنا العظيم رسول ثقافة قبل أن يكون رسول رسالة ورسول تعليم فقد هذب طباع أصحابه وعلمهم الذوق والفن والأدب والإنسانية ونقى أرواحهم وهذب عقولهم، وارتقى بوجدانهم، حتى صاروا نماذج إنسانية تفهم وتعي وتدرك.
ذكر أحد أصدقائي المهذبين أن مولدًا ضخم من إنتاج عملاق صناعة المولدات (جنرال إلكتريك) قد تعطل وقامت الشركة التي تعطل بها المولد بإخطار شركة جنرال إلكتريك لإرسال أحد مهندسيها لتصليح العطل الذي أصاب المولد بعدما فشلت كل المحاولات وبعد تدخل مهندسين كبار في ذات التخصص!
فأرسلت الشركة مهندسًا الذي جاء من الهند وما هي إلا دقائق وقد تبين له العطل ومن ثم قام بإصلاحه الأمر الذي جعل كافة مهندسي الشركة المصرية في دهشة وعجب!
بقي أن تعرف أن هذا المهندس الهندي العبقري كان يعبد رجلا مثله، ولا يذهب ويجيء إلا وصورة إلهه معلقة في رقبته يقبلها غدوة وعشيًا!
فلا يغرنك من اليوم حديث العالم والطبيب والفلكي والكيميائي وهو يهرطق في السياسة، فليس هناك علاقة بين تعليمه وبين ما يتحدث فيه وربما تكون أنت أبرع منه بكثير.