الجغرافيا الثقافية وفنون الأداء المسرحي.. ندوة فكرية فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى
الجغرافيا الثقافية وفنون الأداء المسرحي.. ندوة فكرية في مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى
تغطية و تقرير _ أمجد زاهر
في إطار فعاليات الدورة الثلاثون لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، بقيادة الدكتور سامح مهران، انطلقت أولى الندوات الفكرية التي تناولت موضوع “الجغرافيا الثقافية وفنون الأداء المسرحي”.
وشارك في الندوة خمسة متحدثين من مصر والعراق وسوريا، تحت إشراف السفير علي شيبو، حيث تبادلوا وجهات النظر والخبرات حول كيفية تأثير المكان والزمان والثقافة على المسرح والمسرحيين.
المكان والثقافة في الموسيقى والغناء
وبدأ السفير علي شيبو حديثه بالتأكيد على أهمية دراسة الجغرافيا الثقافية كفرع من فروع الجغرافيا البشرية، التي تهتم بالعلاقة بين الإنسان والمكان والثقافة،
وكيفية تشكيل هذه العلاقة للهوية والانتماء والتعبير. وأشار إلى أن المسرح هو أحد أشكال التعبير الفني التي تستخدم الجغرافيا الثقافية كمصدر للإلهام والابتكار والنقد، وكذلك كوسيلة لنشر الوعي بالتغيرات الحضارية التي تحدث في المجتمعات والمدن.
وأكد على ضرورة أن يكون للمسرح صوت قوي يستطيع أن يصل إلى المستمعين والمشاهدين.
ثم تحدث د. محمد المحمدي مرزوق عن تجربته في دراسة كلمة طرب في اللغة السواحلية، التي تستخدم في شرق أفريقيا، خصوصًا في زنجبار.
وأوضح أن هذه الكلمة لها أصول مصرية، تعود إلى عصر السلطان برغش، الذي حكم زنجبار في نهاية القرن التاسع عشر، وأسس نادٍ للغناء باسم أخوان الطرب.
وأضاف أن هذا التأثير المصري استمر في زنجبار من خلال فنانات مثل ست بنت سعد وبى كى دودى، التى كانت تغنى بالسواحيلية على ألحان مصرية، وكان حلمها زيارة مصر والغناء في قصر الأمير طاز.
وأشار إلى أن هناك نوعًا آخر من الأغاني السواحيلية يسمى نجوما، وهو يتضمن عناصر من الأداء المسرحي، ويقدم في مناسبات اجتماعية مثل الختان والزواج.
الكرنفال والثقافة البرازيلية
بعد ذلك، تناول الباحث مختار سعد شحاتة موضوع الجغرافيا الثقافية في البرازيل، وتنوعها بين الشمال والجنوب والغرب.
وتحدث عن أشهر مظاهر الفن في البرازيل، وهو الكرنفال، الذي يعبر عن ثقافة الشمال التي تتأثر بالتراث الإفريقي.
وقال إن الكرنفال بدأ كطقس ديني من قبل الكنيسة، لكنه تحول إلى احتفال شعبي يجمع بين الموسيقى والرقص والأزياء.
وأضاف أن الكرنفال لا يشمل جميع المناطق في البرازيل، بل يركز في ثلاث مدن رئيسية هي ريو دي جانيرو وسالفادور وبرنامبوكو.
التجريب والجودسية في المسرح
وفي المحور الثاني من الندوة، تطرق د. عبد الناصر حنفى إلى مصطلح الجيومسرحية، وهو يشير إلى دراسة المسرح من منظور جغرافي.
وقال إن هذا المصطلح يتكون من ثلاثة مفاهيم رئيسية هي: الجغرافية، وهي علم يصف سطح الأرض؛ والجودسية، وهي علم يدرس شكل وحجم وحركة الأرض؛ والجودشية، وهي علم يبحث في ظهور المظاهر المسرحية في مختلف المكانات.
وأوضح أن هذه المفاهيم تساعد على فهم التعددية والتنوع في المسرح.
ثم قام د. سيد الإمام بإلقاء نقد حاد على مفهوم التجريب في المسرح،
مؤكدًا أن هذا المصطلح أصبح مبهمًا ومختلطًا بسبب التكرار والإساءة.
وقال إن التجريب هو عملية إبداعية تستلزم كسر التقاليد وإيجاد أشكال جديدة للتعبير، لا مجرد محاولات عشوائية لإثارة الدهشة أو الترويج للفكرة.
وأضاف أن التجريب له تاريخ طويل في عالم الإبداع، بدءًا من إميل زولا، الذى كتب كتابًا باسم “الرواية التجريبية”، حتى المسرح التجريبى فى أوروبا وأميركا. وانتقد استخدام مصطلح
“التجريب” بشكل خاطئ لوصف أعمال مسرحية لا تقدم شيئًا جديدًا أو مختلفًا، بل تقلد أو تقتبس من نماذج سابقة.
الجغرافيا الثقافية في سوريا
وأخيرًا، تحدث الباحث السوري هشام كفارنة عن تجربته في دراسة الجغرافيا الثقافية في سوريا، وتأثيرها على المسرح والمسرحيين.
وقال إن سوريا هي بلد غني بالتنوع الثقافي والجغرافي، وأن هذا التنوع ينعكس على الفنون والأداءات المسرحية. وأعطى مثالًا عن قرية تسمى حربون، التي تقع في منطقة جبلية صعبة،
وتتميز بأهلها الذين يمارسون التمارين الرياضية بانتظام، ويغنون أغاني خاصة بهم تعبر عن حبهم للحياة والطبيعة.
وأضاف أن هذه القرية أصبحت مصدر إلهام للعديد من المسرحيين السوريين، الذين استخدموا أغاني حربون وحركاتهم في عروضهم المسرحية.
وأشار إلى أن هذا المثال يدل على أن الجغرافيا الثقافية تلعب دورًا مهمًا في تشكيل هوية المسرح والمسرحي.
وفي نهاية الندوة، شكر الدكتور سامح مهران جميع المتحدثين على مشاركاتهم القيمة والمثيرة للتفكير، وأشاد بأهمية موضوع الجغرافيا الثقافية وفنون الأداء المسرحي في فهم التاريخ والحاضر والمستقبل. ودعا إلى مزيد من البحث والتجربة في هذا المجال، لإثراء المسرح العربي بأشكال جديدة ومبتكرة تستجيب للتحديات والتغيرات التي تواجهه.
