بقلم / باكينام قطامش
غرفه رماديه كئيبه تحتل الاجهزه والاسلاك كل سنتيمتر فيها تضم بين جدرانها أناس متجهمون يسيرون فى خطوات مسرعة ، يرتدون الملابس الخضراء و يعملون فى صمت بينما ينظرون نحوى بنظرات ملأتنى بالرعب ، تقدم منى رجل ملثم تلوح على وجهه إمارات الضيق و الملل من طول الإنتظار ، ببن أصابعه قطرات ستسلمنى إلى معلش طويل … ترى هل سيكون مجرد نوم أم أن الأمر سيتخطى هذ إلى الراحة الأبدية ؟ سؤال قفز إلى خاطرى و أنا أنظر نحوه باستسلام بينما نهلة شفتاى بعض آيات من القرآن الكريم . أسخر من نفسى فى قرارة نفسى ( الآن فقط تذكرتى كلام الله و أين كنتى طوال سنواتك الماضية التى أضعتيها فى عصيان من تطلبين نجدته اليوم ؟) وخز الأبرة آلمنى بعض الشيء و لكن الخوف كان أكبر من احساسى بالألم ، ظفر الملثم زفرة حارة و هو يدمدم من بين أسنانه( يا رب تنامى بسرعة ) و قبل أن انتبه إلى أمنيته بأن يريح نفسه منى رحت فى سبات عميق ، و بدأت المشارط و أدوات الجراحة تخترق جلدى و تمزقه فى عنف فصرخت خلايا جسدى تستغيث من قسوة الذبح و تساقطت قتلى الواحدة تلو الأخرى ، و أخيرا وصل الجراح إلى الورم الملعون تقتلعه من بين ثنايا صدرى و أبتسم الجميع إنه ورم حميد تلوح عليه سمات الطيبة و الوداعة ، أخذت السكين تمزق أوصاله إلى قطع متناثرة فأختلطت قطرات الدم التى سألت منه بدموعه فقد ترك رحمه الدافيء و خرج إلى دنيا جديدة لا يعرفها و خروجه يعنى موته لا محالة ، هدأت نفوس الأطباء و أغلقوا الجرح الغائر فى جانبى الأيسر قرب القلب بخيوط عنكبوتية لا تدرك أهمية الدور الذى تلعبه فى بقائي على قيد الحياة فلو كانت تعلم لطالبت بالثمن بل أغلى ثمن ، و أفقت لأجد خيطا واهيا يربطنى بالحياة فأنفاسى ضيقة و جدران الحجرة الواسعة ضيقة أيضا بل أضيق من ثقب الأبرة . تلفتت حولى فى ذهول و أنا أبحث عن نسمة الهواء فلا أجدها ، و انقلبت سعادة الجميع بنجاح العملية إلى ذعر و هرج و مرج فهذا يحاول أن يضع على وجهى قناع الأكسجين و ذاك يبحث عن دواء يرجح كفة ميزان حياتى و ثالث يحاول طمأنتى ووجهه يملؤه القلق … ووسط اللحظات الفاصلة بين الحياة و الموت يطل وجهك الأثير إلى نفسى ليبتسم فى وجهى ، و تمتد يدك لتنتشلنى من رهبة الفزع و تضمنى إلى صدرك لأغفو فى اطمئنان و أسأل طبيبى فى لهفة : ( هل مازالت صورتك الحبيبة تحتل عرش قلبى أم أنه قد تغلف بسواد النسيان ؟ ) فأجابني الطبيب فى هدوء ( قلبك ما زال عامرا بالحب فأصمدى و تشبثى بالحياة من أجل هذا الحب . هدأت و أبتسمت ابتسامة واسعة ضمت جدران تلك الحجرة الرمادية الكئيبة فحولتها إلى روضة ناصعة البياض ، و أنقلبت الأجهزة الصماء بأسلاكها المطاطية السوداء ألى عشرات من الورود المتفتحة للحياة تنفست أريجها بعمق فتدفق الهواء إلى صدرى و أدركت وقتها أننى تنفستك مع هذا الهواء .