الدراما الوطنيه…أقوي الأسلحه !!؟ بقلم… إيمان سامى عباس
الدراما الوطنيه…اقوي الاسلحه !!؟
بقلم… إيمان سامى عباس
الفنون عمومًا.. والدراما على وجه الخصوص صناعة ثقيلة تملك تأثيرًا هائلًا في تشكيل الوعي والوجدان والتأثير في الشعوب بما تغرسه من قيم ومفاهيم تصنع نهضة أو تهدم صروح الأوطان، ومن ثم فهي سلاح فني مؤثر بل شديد التأثير؛ فهي تدخل البيوت دون إستئذان وتستطيع توصيل المعلومة للمجتمع بكل سلاسة ويسر.. فما يفعله مسلسل واحد ناجح وجاذب جماهيريًا أكثر نفعًا وتأثيرًا ونفاذًا للعقول والقلوب ومن ثم السلوك الجمعي من مئات الكتب والمقالات والخُطب..
ومن هنا تتجلى روعة الدراما الوطنية إن جاز التعبير في تحصين الأمن القومي من العبث، وصون عقل الشعب وضميره وقناعاته وانحيازاته من الاستهداف والتشويه..
فهل هناك ما هو أهم من تلك الأولويات لتعكف الأعمال الفنية على صياغتها، والدولة على دعمها بما يحصن المجتمع لاسيما شبابه وأطفاله وأجياله القادمة والحاضرة من ريح مسمومة تهب للتشويه وتوهين العزائم وضرب الدول في أعز ما تملك؛ قوتها البشرية.
ويُعد رمضان أنسب الشهور لعرض مثل هذا النوع من الدراما الوطنية لما تحققه هذه الأوقات من نسب عالية للمشاهدة؛ لكن ذلك لا يمنع أننا في حاجة لاستمرار بثها طوال العام لما لها من تأثير سريع ومباشر في تصحيح الوعي بحركة التاريخ ومُجريات الأحداث التي تتسرب من أذهان الأجيال الحاضرة كما تخفى حقائقها على الأجيال التي لم تعاصرها ولم تعش أحداثها يومًا بيوم. لقد أثبتت الدراما أنها ذات تأثير جبار في العقل والوجدان بل إنها أقوى أدوات الإتصال في هذا العصر نظرًا لسرعة وصولها للمشاهدين وتوصيل الرسائل المنشودة بلا جهد ولا مشقة من المتلقي، وهي أيسر كثيرًا من الكتب والمجلات والصحف التي تكلف قراءها جهدًا ومالًا للوصول إلى محتواها. ولا عجب والحال هكذا أن تلعب الدراما عامة، و”الوطنية” على وجه الخصوص دورًا أعظم تأثيرًا في محاربة الأفكار المتطرفة وترسيخ الهوية الوطنية، كما فعل مسلسل “الإختيار” بأجزائه الثلاثة الذي قام بتأريخ الأحداث التي جرت في السنوات الأخيرة بتسلسل واضح يشحذ همم الجمهور والأجيال الجديدة ويجعلهم فخورين بإنجازات رجال وقيادات الوطن وتعزز الهوية لديهم وقيم الإنتماء وتعمق حسهم الوطني.. دونما إنتظار لعشرات السنين حتى يُكتب التاريخ بالطرق المعتادة.
ولم تأت نسب المشاهدة العالية التي أحرزتها المسلسلات الوطنية؛ ذلك أن “الإختيار” مثلًا جسد قضية عاشها أبناء الشعب المصري في العام الذي حكمته جماعة الإخوان، وهي أعمال درامية تحمل رسالة غالية للأجيال الحالية والقادمة على السواء؛ وهي أسرع وصولاً إليهم وتفوق أهميتها ما تؤديه وسائل الإعلام ومؤسسات الثقافة والشباب ؛ بما تمارسه من تكريس لمفهوم المواطنة لدى النشء والشباب وتعزيز مفهوم الوطنية وغرس القيم لديهم عبر سرد وقائع التاريخ بإنسيابية ويسر يفهمه المشاهد، ويعرف من خلالها تاريخ بلاده.
لم تعد الدراما وسيلة إمتاع وترفيه أو تسلية وتزجية وقت الفراغ ودفع الملل بل صارت قوة ناعمة لا يستهان بتأثيرها المدوي؛ ذلك أنها تتفاعل مع الناس وتلامس قضاياهم بصورة مباشرة، ولسوف تبقى قيمتها الفنية والأخلاقية والأدبية العالية التي تقتضينا – لأسباب عديدة لا تخفى- الاستزادة منها ..فقد رأينا كيف إحتشدت الأسر أمام التلفاز لمتابعة تلك الأعمال الفنية الجليلة في السنوات الأخيرة التي حققت نجاحًا لافتًا..وكنت أرجو لو عمدت الجهات المعنية لقياس أثر تلك الأعمال في أذهان المشاهدين بصورة علمية وعملية لنرى كيف يمكن لعمل درامي واحد أن يغير جذريًا أفكار كثير من الغافلين كما فعل مسلسل الإختيار الذي فضح الجماعات الإرهابية وكشف المؤامرات التي تحاك ضد مصر..ألا يدعونا ذلك لوضع الدراما الوطنية على رأس الأولويات، وأن تواصل الدولة دعمها بعد أن أضحت خط دفاع أول لتكوين الرأي الرشيد والتوعية المستنيرة، وترسيخ الأحداث في أذهان الشباب وأبناء الوطن ولا تقل قوة الدراما عن القوة السياسية والاقتصادية وأصبحت في زماننا أقوى من السلاح نفسه وذات جماهيرية عريضة.
مشاهدة الدراما الاجتماعية الإيجابية تبث روح الحياة والتفاؤل وتسهم في تطوير الذكاء العاطفي، وتساعد على التطور البدني و تنمية الإبداع كما أنها تنمي الصداقات وتساعد على التركيز لدى الصغار؛ وهو ما يجعلنا نأمل أن يتجه المنتجون للدراما بالتعاون مع الدولة لمثل هذه الأعمال التي يحتاجها المشاهد. ويكفي للتدليل على قوة الأثر الذي تحدثه الدراما أن أبطال هذه المسلسلات تحولوا لأبطال شعبيين يظلون في ذاكرة الناس، وهو ما يعني أن مثل هذه الأعمال تحقق نجاحاً باهراً.
ما أحوجنا لدراما تصحح الوعي المشوه لدى البعض، و أن تتهيأ ظروف مواتية تمكن صناع الدراما من الإبداع في صناعة هذا المحتوى، لما تتسم به تلك النوعية الدرامية من صدق وقدرة على تعريف الأحياء الجديدة وإنجازات الأوطان بطريقة أكثر سهولة وقدرة على توصيل المعلومة من أقصر طريق. ويبقى أن الفن الراقي سواء كان درامياً أو غنائياً أهم وأخطر وسائل تغيير الفكر وبناء الوعي في مواجهة محاولات احتلال العقل الذي هو أهم غايات الحروب الحديثة التي تستهدف تشويه التاريخ وتشويه الرموز وتغييب العقول ليسهل إسقاط الدول في براثن الفوضى والتفكك بأيدي بنيها..ومن ثم فإن الدول التي تهمش الفن وتحارب أعماله الهادفة تشارك دون أن تدري في تدمير أوطانها تماماً كما تفعل الأعمال الهابطة التي تضرب قيم المجتمع وأخلاقياته وهي أيضاً شريك رئيسي في جريمة إسقاط الدول..الفن سلاح اليوم ووسيلتنا الناجعة لدرء مخاطر وسموم الشائعات واستهداف العقول ..فهل آن الأوان لكي نصنع دراما تليق بمصر وشعبها وتاريخها ..وكفانا ما فعلته الأعمال