الدكتور رشدي يوسف ” رحلة لها العجب الي مهد البشرية

حوار : إبراهيم العسيلي
* الدكتور رشدي يوسف  ” رحلة لها العجب الي مهد البشرية “
الدكتور رشدي يوسف ” مفكر وحكيم  بدرجة طبيب 
* الزيارة الي المتحف الطبيعي وكائنات في جوف مليوني عام من الزمان كان مدهشا 
* الشعب التنزاني شعب طيب وكريم ومحب للمصريين
* عودة العلاقات التنزانية مكسب كبير للدولة المصرية
* أعدت كتابة التاريخ الوطني ل ” زنجبار ” لأول مرة 
* الشعب التنزاني والأفارقة يعشقون المصريين وجمال عبدالناصر
 
* الشاعر عبدالرحمن الأبنودي قال لي ” عبدالناصر كان راجل مفيش زيه ” 
 
* أشرع في كتابة كتاب عن العلمانية والإسلام وأوجه الخلاف بينهم 
سُمّي الطّبيب سابقاً بالحكيم؛ لما يمتلك من قدرة وحكمة على اكتشاف العلة وعلاجها بوسائل مختلفة نفسية وجسميّة وبدنيّة مستخدماً شتّى السُّبل للوصول إلى الغاية المرجوّة ، واعترفَ كل من الفلاسفةُ وعلماءُ الشّريعة، أنّ الطبيبَ قريبٌ منهم بشكل أو بآخر سواء بقصد او بدون قصد منه ، وشخصية الدكتور رشدي يوسف تذكرنا حقيقة بعلماءالعرب كالرازي وابن سينا والفارابي وابن رشد وابن خلدون ، وفلاسفة اليونان  كسقراط وافلاطون وغيرهم .
الدكتور رشدي يوسف السيد ابن محافظة الشرقية وأحد أهم رموزها وأعلامها في الطب  كاستشاري للامراض الصدرية ومديرا سابقا لأعرق وأقدم مستشفياتها اقترب تاريخها نحو مائة سنة سابقة وهي مستشفي الصدر بالزقازيق ، وأيضا كمفكر له رؤيته الخاصة المتفردة والعميقة نحو كل القضايا يستطيع بحنكه بالغة وذكاء منقطع النظير ربط التاريخ بالحاضر والمستقبل ، وتشهد أروقة الصالونات الثقافية والندوات والمؤتمرات التي يحاضر فيها علي مدي ما ذكرته ومدي ما يستفيده النخبة المثقفه من رؤي جديدة ومختلفه وما يستمتع به القراء والمستمعون له .

وفي كتابه ” رحله الي مهد البشرية ”   وهي أربع سنوات هي مدة رحلة العمل التي قضاها الطبيب المصري د. رشدي يوسف في تنزانيا الاتحادية  كخبير لأمراض صدرية تابعا لوزارة الخارجية من عام 2004 الي 2008 ، والتي ضمنها في هذا الكتاب الملئ بالمعرفة والإثارة توضيح مدي الأهمية لنا كمصريين بأنه حان الوقت للنظر إلي عمقنا الإفريقي ولما لا وهذا البلد الذي يقبع علي الساحل الشرقي لأفريقيا الذي يحمل في طياته مكامن للجمال وسخاء للطبيعة وهو نموذج لسماحة البشر في أفريقيا تلك القارة التي فيها بلادنا وعلي ظهرها امتداد تاريخنا، ومن أمطارها تأتي مياه نيلنا ، وفيها فرص استثمار ثرواتنا وخبراتنا، لكننا نجهل كل شيء عنها، تاركين هذه القارة للغير كي يلعب بأمننا ويعبث بمائنا، امتدت رحلة الدكتور رشدي أيضاً في جوف الزمان ما يزيد علي مليوني عام عمقاً.

FB_IMG_1548965564325_1

كانت زيارته  لمتحف التاريخ الطبيعي للأيام الأولي من الوصول يقول عنها د . رشدي : قد أدهشني أن وجدت نوعا من أشباه البشر يسمي Hominini  كنت أسمع عن هذا الكائن ولم أتصور أنني سوف أقف أمامه في يوم من الأيام ، كان الهيكل العظمي لهذا الكائن يشابه القرد أكثر من الانسان وهنا في ذهني قفز السؤال ما هي المعايير التي وضعها العلماء لتحديد فصيلة البشر ? رجعت للمراجع العلمية فعلمت أن منطقة تنزانيا متحف طبيعي فهناك بحيرة تعيش الكائنات حولها منذ 2,5 مليون عام ، وعلي بعد عدة كيلو مترات كان هناك بركان يثور كل عدة آلاف من السنين فتقوم الصخور المنصهرة التي كان يخرجها هذا البركان بدفن الكائنات بطريقة مثالية تحتفظ بها ملايين السنين دون أن تستطيع الميكروبات أن تنخر فيها هكذا استطاع العالم الشهير لويس كيلي أن يحفر في هذه المنطقة لكي يكشف عن التحول المثير الذي طرأ علي الثيديات العليا ليظهر هذا النوع من أشباه البشر وقد أثبت ليكي أن هذا النوع من الكائنات استخدم عقله في تهذيب الحجر وصنع سكاكين يدافع بها عن نفسه ويذبح بها الكائنات التي يأكلها وهذا يعني أنه أصبح يدرك ويفهم ويوظف خصائص الطبيعة المحيطة به لمصلحته فاستحق بذلك أن ينضم إلي أسرة أشباه البشر.
 
وبعد عدة أيام من وصولي تنزانيا ذهبت الي زيارة جزيرة زنجبار فوجدت قصور عربية تزدان بصور لسلاطين من عرب عمان ووجدتني أجهل تماما ما هذا التاريخ ? فعكفت علي تجميع تاريخ هذه الجزيرة وأعدت كتابة التاريخ الوطني لها لأول مرة وهو جزء من كتابي ” رحلة إلي مهد البشرية ” أخرجت تاريخ الجزيرة والإنسان الأول في عدة مقالات ثم جمعتها في هذا الكتاب.
 
فاجأتني حالة الاعتزاز والمحبة الشديدة من الأفارقة للمصريين ، فلا يكفون عن ذكر الزعيم ” جمال عبدالناصر ” وسنوات التحرر الافريقي كما يذكر كبار السن أنه حين ذهب عبدالناصر لزيارة تنزانيا عجزت السلطات عن ظبط الحدود بجيرانها لأن الأفارقة عبروا للترحيب بمحرر القارة الأفريقية ، وأن الطائرة المصرية كانت تصل يوميا من القاهرة الي تنزانيا في الرابعة عصرا ، وكذلك وجدت أن طائفة “البهرة ” كانت وهي في طريقها الي الحج بالديار المقدسة تنزل الي القاهرة فيقضي الواحد منهم اسبوعين في المتوسط بجوار سيدنا ” الحسين ” ، وللأسف الشديد فقد توقف خط الطيران المصري وأغلق مكتب مصر للطيران في حين افتتحت دول الخليج ” الامارات وقطر ” خطوط مباشرة الي تنزانيا وغيرها من الدول ، وأكثر من ذلك أنني لم أجد منتج مصري في أسواق تنزانيا بل وجدت ” فول مدمس ” ذو منشئ أمريكي تعبئة إماراتية وهذا بسبب الخيارات الخاطئة التي اتبعتها مصر  طوال عشرات السنين السابقة وآن الأوان في تعديلها .
ولسوف يعود  علي مصر الكثير جدا بعودة علاقتنا مع الشقيقة تنزانيا ، فمثلا قطاع الدواء وحده تسيطر عليه الهند بينما الصناعة المصرية أكثر جودة وتستطيع المنافسة في السوق التنزاني ، كما تمتلك تنزانيا أكثر من 17 مليون بقرة ويبلغ سعر كيلو اللحم بها عند تاجر التجزئة واحد دولار ، وهذه الأبقار تعتمد علي الرعي الطبيعي ولحمها في غاية الجودة والمصالح المصرية تقضي باستيراد اللحوم من تنزانيا ، وأيضا يوجد نوع فاخر من النسكافيه والشاي لم أجد له مثيل في جودته ، ولذلك فنحن نحتاج الي رؤية جديدة الي عمقنا الافريقي.
 
ولقد التقيت في هذه الفتره برئيس تنزانيا ووجدت منه ترحيب كبير بأي تعاون مع مصر ، وأثناء وجودي هناك جاء وفد مصري من وزيري الخارجية والري وعلمت أنهم اتفقوا علي استيراد اللحوم والقمح من تنزانيا ولكن فوجئت أنه لم يتمخض عن شئ وقتها ، والغريب أننا إذا رغبنا في عودة العلاقات لن تأخذ عدة أيام فاتفاقية ” الكوميسا ” التجارية تسهل من العودة سريعا لتحقيق مكاسب كبيرة لمصر بالجنيه المصري .

 IMAG2116_2

ولعلي بصفة شخصية حين بحثت عن الكتاب كان يشغلني تعليقات القراء علي الانترنت وعبر صفحات التواصل الاجتماعي الذين لا أعرفهم فوجدت مديحا عن مدي أهمية هذا الكتاب حتي وجدت من يصفه بأنه بالفعل أصبح وكأنه يعيش في تنزانيا ، وفي الحقيقة فإن الدكتور رشدي يوسف هو كنز معرفي كبير لم نستفد به حتي الآن فلديه الكثير والكثير مازال لم يخرج الي النور بعد ، ومغامراته وذكرياته كبيرة ، وعن زيارته للشاعر عبدالرحمن الأبنودي في مزرعته بالاسماعيلية التي حملت محبة ومودة وترحيب من قامة رفيعة ولعل أبرز كلمات الأبنودي له عندما أتي الحديث عن جمال عبدالناصر قال : ” كان راجل مفيش زيه ” .
FB_IMG_1548965533799
والدكتور رشدي يوسف يشرع في الكتابة الآن كتابا يوضح فيه  العلاقة بين العلمانية والإسلام والسياق التاريخي لنشأة العلمانية وأوجه الخلاف بينها وبين الفكري الاسلامي.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.