الديفلز.. الفرقة التي منحت الهضبة عمرو دياب أجنحته الأولى

في كل سيرة فنية عظيمة، هناك مشهد أول لا يُنسى، بداية صغيرة تتكوّن من أصدقاء، أحلام، ومحاولات تبدو بسيطة لكنها تحمل بذرة المجد. بالنسبة للفنان عمرو دياب، تلك البداية لم تكن في القاهرة أو تحت أضواء الشهرة، بل في مدينة بورسعيد الساحلية، داخل فرقة موسيقية حملت اسمًا غربيًا لامعًا هو «الديفلز»، كانت مزيجًا بين الطموح، الصداقة، والبحث عن هوية موسيقية جديدة في مصر السبعينيات.

كتبت ماريان مكاريوس

 بورسعيد.. المهد الذي جمع الحلم

في تلك السنوات التي أعقبت عودة أهالي بورسعيد من التهجير بعد نكسة 1967، كانت المدينة تبحث عن الفرح والحياة من جديد. الأسواق تمتلئ بالبضائع الأجنبية، والمقاهي تستعيد زوارها، والنوادي تعود لتستقبل حفلاتها الصيفية، وفي قلب هذه الأجواء وُلدت «الديفلز»، كصرخة موسيقية تعلن ميلاد جيل جديد يؤمن بأن الفن يمكن أن يكون مرآة للحداثة والانفتاح.

تكوّنت الفرقة من مجموعة من شباب بورسعيد الموهوبين: سعيد سري على الباص جيتار، عزمي الكيلاني على الكيبورد، ياسر عبد الحليم على الدرامز، عاصم سري على الليد جيتار، عماد سري كمطرب غربي، هشام الداوودي كمطرب شرقي، وعمرو دياب الذي انضم لاحقًا كمطرب شرقي شاب لم يتجاوز العشرين.

من “فور ستارز” إلى “الديفلز”

يحكي عماد سري، أحد مؤسسي الفرقة، أن البداية كانت باسم مختلف هو «فور ستارز»، أسسها الموسيقي الراحل عمرو الغفير، الذي كان عازف أورج ومطربًا يغني بالإنجليزية.

كان الفريق في بدايته يجتمع في منازل الأعضاء أو في نوادي المدينة للتدريب على الأغاني الغربية، وأول زي موحّد ارتدوه كان من تصميم والدة عماد سري، يشبه «الشال المكسيكي» الذي يرمز إلى الحيوية والانطلاق.

ومع تطور الأداء وتبدّل الأعضاء، تحوّل الاسم إلى «الديفلز»، وبدأت الفرقة تحقق شهرة محلية واسعة في بورسعيد بفضل التزامها واحترافها رغم صِغر أعمار أفرادها. كانوا جميعًا طلبة في المدارس والجامعات، لكنهم قرروا شراء أحدث الآلات الموسيقية من متجر جورج لوكس الشهير، وساعدهم والد عزمي الكيلاني ماديًا حتى يتمكنوا من تسديد ثمنها. كان ذلك دليلاً على أن الحلم الموسيقي قد تجاوز حدود الهواية إلى مشروع فني جاد.

عودة الفن إلى المدينة

كانت بورسعيد الخارجة من آثار التهجير بحاجة إلى نبض جديد، إلى أصوات تعيد لياليها الصاخبة التي عرفتها أيام «كازينو بالاس» الذي ظهر في فيلم إشاعة حب.

وقد لعبت فرقة «الديفلز» هذا الدور، فصارت رمزًا للبهجة والفن البورسعيدي، تقدم حفلاتها السنوية في النادي اليوناني ونادي النوتيك، إلى جانب الأفراح والحفلات الخاصة.

كما انضمت إليهم لاحقا المطربة سهير طه حسين. التي تميّزت بأداء أغاني فيروز برقة وإحساس كبيرين. أحبها الجمهور البورسعيدي رغم صرامته الفنية. وأصبحت مشاركتها في الحفلات حدثا ينتظره عشاق الغناء الأصيل.

 التأثر بفرقة Les Petits Chats

كانت فرقة Les Petits Chats المصرية الشهيرة نموذجا يحتذى به لدى «الديفلز».

كما يحكي عماد سري أن أعضاء فرقته ذهبوا لمشاهدة أداء «لي بيتى شات» في فندق هوليداي إن الهرم. وهناك أدركوا معنى الاحتراف الحقيقي في العزف والانضباط والأناقة على المسرح.

عاد كل منهم إلى بورسعيد يحمل حلم الارتقاء بالمستوى الفني لفرقته. فبدأت مرحلة جديدة من الجدية في البروفات، لم تكن تنتهي إلا عندما تتقن كل أغنية بأدق تفاصيلها.

 

يقول عماد سري:

“كان ياسر عبد الحليم يدير البروفات بدقة متناهية، لا يغفل عن تفصيلة واحدة، فصوت الكورال كان متناسقا إلى حد الإبهار، والعزف الغربي يخرج كما لو أنه من تسجيل أصلي.”

لحظة انضمام عمرو دياب

حيث جاء عمرو دياب إلى الفرقة بعد أن سمع عنه الأعضاء كمطرب. شرقي موهوب وصاحب صوت مميز. يحكي عماد سري:

 

“كنت أعرف شقيقه عماد دياب، زميلي وصديقي في المدرسة، وذات ليلة ذهبت لمشاهدة عمرو في حفلة، فوجدت مطربا صوته آسر يغني لعبد الوهاب بانسيابية وعمق. من يومها أصبحت أتابع حفلات الفرقة لأستمع إليه.”

كان دياب يؤدي أغنيات مثل «نويت أسيبك» لسمير الإسكندراني و أغنيات عبد الوهاب. وكان الجمهور يطلبها دائمًا في كل حفلة. انضمامه أحدث نقلة نوعية في حضور «الديفلز» على المسرح. إذ أضاف لها صوتا عربيا طربيًا جعلها أكثر توازنا بين الشرق والغرب.

 صداقة وضحك وأيام لا تنسى

كما يروي عماد سري أن عمرو دياب لم يكن فقط مطربا موهوبًا. بل كان أيضًا روحًا مرحة تضفي البهجة على الجميع.

 

“كان ضحوكًا جدًا ومحبًا للمزاح، وبعد الحفلات كنا نجتمع في مطعم كستن في بورسعيد، نأكل (بكلويز) — جندوفلي البحر — ونتحدث حتى الفجر. كانت تلك ليالٍ لا تنسى.”

كانت تلك المرحلة بالنسبة إليهم أكثر من مجرد تجربة فنية. كانت عائلة من الأصدقاء اجتمعوا على حب الموسيقى والحياة.

من «الديفلز» إلى «يا طريق»

بعد عامين من انضمامه للفرقة. دخل عمرو دياب الخدمة العسكرية، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته. وبعد خروجه، ساعده قريبهم زياد فقوسة. في إنتاج أول ألبوم له بعنوان «يا طريق يا طريق» مع الموسيقار هاني شنودة.

كان ذلك الألبوم هو الخطوة الأولى نحو مجد طويل امتد لعقود. لكن جذوره بقيت مزروعة في أرض بورسعيد وبين أصدقاء «الديفلز».

هكذا تحول الطفل القادم من فرقة صغيرة في بورسعيد إلى أشهر مطرب في العالم العربي. لا بموهبته فقط، بل بإيمانه العميق بأن النجاح الحقيقي هو الاستمرار والمحافظة على المكانة.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.