“الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”
“الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”
كتب : خالد غراب
كان يوما روتينيا عاديا مثله مثل باقى الأيام بدأته بالذهاب للعمل وانتظرت كالعادة المكالمة التليفونية المعتادة التى تجريها لى زوجتى قبل مغادرتى محل عملى بساعة أو بالنصف منها.
مكالمة ظاهرها الأطمئنان على وباطنها مجموعة من الطلبات ابتاعها لها أثناء عودتى للمنزل بعد انقضاء العمل.
وقد كنت حريصا على كتابة هذه الطلبات فى وريقة حتى لا أنسى بعضا منها فأكون عرضة للتنمر المغلف بالعتاب الرقيق ويكفينى منها عتابها المعتاد لى على شرائي البضائع بأغلى الأثمان على أساس أنني رجل والبائعات الفلاحات لا يتشطرن إلا على الرجال ولا سيما أنني وكما تقول يظهر علي زورا وبهتانا أمارات الثراء والترف وهذا يشجعهن على خداعي والإيقاع بى.
وأثناء شرائي لهذه البضائع من السوق حدثت حادثة جعلت يومى كئيبا مظلما يغلب عليه السواد.
امرأة تقود عربة كارو يجرها حصان يبدو عليه الهزال والضعف وكبر السن منحول الجسم بارز العظام مكشوف العوارض تنتشر الجراح على مناطق متفرقة من جسده معلنه عن مرضه.
أما عن المرأة فحدث ولا حرج فهي تبدو من النسوة اللواتى قطعن بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة بهن ولا استبعد أن تكون قد أخفت فى فمها موسا وفي جيبها موديه لاستعمالهم عند الحاجة.
لست بحاجة إلى الحديث معها كى تكتشف أنها تنتمى لفئة البلطجية فاقدى الحياء والأدب حيث يبدو ذلك من أسلوبها وهيئتها التى كانت أقرب للرجال منها للنساء.
هذه المرأة الغليظة القلب متبلدة الإحساس متحجرة المشاعر ما لبثت أن انهالت على هذا الحصان المسكين الذي يجر عربتها المحملة ببضائع ينوء عن جرها وحملها الجبال بالضرب دونما شفقة أو رحمه.
هذا البهيمة المسكين الذى لا يستطيع أن يبين شيئا مما يعانيه من الآلام ما لبث أن سقط على الأرض بعد أن خارت قواه معلنا عجزه وضعفه واستنفاذ طاقته فما كان من هذه الشيطانه إلا أنها زادت من الضرب وسط صرخات الناس وندائها لها بالكف عما تفعل وهى مستمرة فى تعذيب هذا المسكين غير ملتفتة لرجوات الناس لها بالتوقف عن هذا الأجرام.
تمنيت في هذه اللحظة أن انقض عليها واربطها فى العربة محل الحصان وأوسعها ضربا لعلها ترجع إلى رشدها وتعدل عن غيها وتعود إلى إنسانيتها التي افتقدتها.
خرجت من السوق حزينا مكتئبا وأخذت أسأل نفسي ما الذي أوصل هذه المرأة إلى هذه الدرجة من القسوة والغلظة وعدم الرحمة وجعلها تفترى على كائن ضعيف مسكين لا حول له ولا قوة كل ذنبه فى الحياة أنه أضعف من الإنسان.
أهو الجهل؟ أم الفقر؟ أم البعد عن الدين؟ أم الضغوط الإجتماعية التي يمكن أن تولد أمراضا نفسية تجعل الإنسان يتلذذ بتعذيب من هو أضعف منه؟ أم كل هذه الأشياء مجتمعة؟
قضيت يومى كله حزينا مكتئبا وعندما جن علي الليل أشارت على زوجتى بالخروج لعلى أجد فى الخروج ملهاة وسلوى عما ألم بى “وليتها لم تفعل!”
أثناء سيري في إحدى الشوارع العامة شاهدت حركة غير عادية يقوم بها أصحاب المقاهى والمحلات حيث يقومون برفع وإزالة كل الإشغالات التى أنشأوها بأيديهم فعلمت أن هناك حملة مكبرة من الأحياء سوف تمر لإزالة المخالفات والإشغالات.
وما لبثت أن ظهرت الحملة وأخذت تزيل فى طريقها كل المخالفات إلى أن وصلت إلى شابين نحيفين فى مقتبل مرحلة الشباب يقفان على عربتين أحداهما لبيع التين الشوكى والأخرى لشواء الذرة.
أخذ الشابان يتوسلان لأعضاء هذه الحملة أن يتركوهما ولكن أعضاء الحملة أصروا على تهشيم العربتين بما عليهما ثم غادروا المكان بعد أن أتموا مهمتهم.
جلس هذان الشابان على الرصيف يبكيان وعرفت من حديثهما أنهما قد ابتاعوا هاتين العربتين بما عليهما بالقسط كى يستطيعوا الإنفاق على أنفسهم وذويهم زادنى هذا الما فوق المى وحزنا فوق حزنى وكآبة فوق كآبتي خرجت ابغى ملهاة ونسيانا فزادني الخروج تذكرة واحزانا.
وتسألت لماذا هذه القسوة فى معاملة الشباب الكادح المكافح؟ وماذا سيفعل هؤلاء الشباب بعد أن تحطم حلمهم الصغير المتواضع؟ هل سيلجأون إلى الجلوس على المقاهى وينضمون إلى فئة الشباب العاطل المتعطل؟ أم سيلجأون إلى إدمان المخدرات ليغيبوا عن الواقع؟ أم سيقومون بتثبيت الناس فى الشوارع؟ أم سيصبحون فريسة سهلة يمكن استقطابها من قبل جماعات الإرهاب؟
لا شك أن هناك فهما خاطئا ومغلوطا لدى الكثير من الموظفين للتعليمات وآلية تطبيق القوانين فالبعض يريد أن يزايد ويجود فيوقع نفسه فى الخطأ ويظلم غيره ويظلم مجتمعه ويعكس للأسف صورة سلبية لدى كثير من الناس عمن يقومون بتطبيق القانون.
هذا المشهد جعلنى ألتمس بعض العذر لهذه المرأة الجاهلة التى شاهدتها صباحا فأذا كنا نحن البشر لا نستطيع أن نرحم بعضنا بعضا ونستأسد على الضعيف فينا فكيف لنا أن نكون رحماء ببقية من يشاركوننا الحياة على سطح هذا الكوكب من الكائنات الأخرى.