الرصاصة ما تزال في جيبي.. شهادة إحسان عبدالقدوس على انكسار الأمة ونهضتها

بقلم/  محمد عبدالقدوس

يقدم الكاتب محمد عبدالقدوس حكاية خاصة من قصص والده الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس، لا ترتبط فقط بعبقرية قلمه، بل تتجاوز ذلك لتصبح شهادة حية على تاريخ أمة، القصة التي كتبها إحسان عبدالقدوس، وتحولت إلى رواية ثم فيلم شهير، تحمل عنوان “الرصاصة ما تزال في جيبي”، وتمثل عملاً أدبياً فريداً يجسد بامتياز مشاعر الانكسار والحزن العميق الذي عاشته مصر بعد نكسة عام 1967، ثم روح الصمود والفخر العارم الذي تلا نصر أكتوبر 1973.

البداية.. رصاصة لم تُطلق وكرامة مفقودة

يكشف محمد عبدالقدوس أن شرارة هذه القصة انطلقت في أيام الهزيمة القاسية عام 1967. في ظل حالة الحزن العام والذهول الشعبي إزاء ما جرى للجيش المصري، اعتزل إحسان عبدالقدوس الناس وكتب قصته القصيرة. كان محور القصة جندي شاب يُدعى “مجدي”، يحمل في جيبه رصاصة لم تُطلق بعد، جعلها الكاتب رمزاً للكرامة التي ضاعت والأمل في الثأر الذي يجب أن يتحقق.

يعود مجدي من الجبهة ليواجه نظرات قاسية من مجتمعه، بل وحتى من حبيبته “صفاء”، التي تمثل في القصة “الحلم النقي”. هذه المقاطعة المجتمعية الصامتة كانت بمثابة رسالة واضحة: لا مكان للمنهزم، وعليك أن تثأر. لم يتحمل مجدي نظرات الاحتقار، فكان رده الوحيد هو العودة إلى الجبهة والمشاركة ببسالة فائقة في حرب الاستنزاف، مؤكداً أن روح مصر لم تمت وأن جنودها ليسوا ضعفاء أو متخاذلين.

فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي
فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي

الرصاصة انطلقت في أكتوبر.. انتصار على مرارة الهزيمة

يأتي تتويج هذه الملحمة في حرب أكتوبر المجيدة. المشهد الذي لا يُنسى لتحطيم خط بارليف وعبور قناة السويس لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصاراً على مرارة ست سنوات من الهزيمة. لقد أثبت الجيش المصري للعالم قدرته على “صنع المستحيل”، وشهدت الأمة لأول مرة أسرى إسرائيليين في أيدي الأبطال المصريين.

بعد النصر، عاد إحسان عبدالقدوس إلى قصته المجروحة، ليوسعها إلى رواية كاملة، لكنه أصر على الإبقاء على العنوان الأصلي: “الرصاصة ما تزال في جيبي”. على الرغم من أن “رصاصة أبي” قد انطلقت بالفعل بانتصار أكتوبر، إلا أن الرصاصة هنا تحولت من مجرد معدن إلى رمز للمطالبة الدائمة بالحق والكرامة، ورفض التنازل. لم تعد الرواية قصة جندي واحد يبحث عن الثأر، بل أصبحت حكاية شعب كامل ذاق المرارة وصبر حتى رفع رأسه بالنصر.

عمل فني خالد في ذاكرة الأجيال

سرعان ما تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي حقق نجاحاً عظيماً، واعتُبر أول عمل فني يعرض على الشاشة يعبّر عن هذا التحول التاريخي. الفيلم، الذي قام ببطولته كوكبة من النجوم مثل محمود يس ونجوى إبراهيم وحسين فهمي وصلاح السعدني، حصد جوائز عدة، من ضمنها جائزة أفضل قصة وأفضل سيناريو لإحسان عبدالقدوس، كما ساهمت الموسيقى التصويرية البارعة التي وضعها الموسيقار الراحل عمر خورشيد في ترسيخ العمل في الذاكرة.

ظل هذا الفيلم علامة فارقة في الذاكرة المصرية، كونه تجسيداً لكفاح شعب رفض الاستسلام بعد هزيمته، ورفع راية المقاومة والتحدي حتى استرد أرضه وكرامته. تحية إجلال وإكبار لأبطال مصر.

محمد عبدالقدوس
محمد عبدالقدوس
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.