الريحاني والقصري في ذكرى وفاتهما .. إرتباط وثيق وبصمة لا تُنسى وتاريخ لا يموت

الريحاني والقصري في ذكرى وفاتهما .. إرتباط وثيق وبصمة لا تُنسى وتاريخ لا يموت

الريحاني والقصري في ذكرى وفاتهما .. إرتباط وثيق وبصمة لا تُنسى وتاريخ لا يموت

تعتبر الكوميديا أحد ألوان الفن التي تجمع بين البساطة والعمق، وتقدم للجمهور لحظات من الفرح وتساعد في التعبير عن قضايا المجتمع بأسلوب ساخر .

كتبت :ماريان مكاريوس

ومن بين أعلام هذا النوع من الفن في السينما والمسرح العربي، يبرز كل من نجيب الريحاني و عبد الفتاح القصري، اللذان شكلا بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن العربي. فقد قدم كلاهما أدوارًا جعلت منهما رموزًا لفن الكوميديا، وأثرا في اجيال من المشاهدين والفنانين.

نجيب الريحاني: رائد الكوميديا العربية

نجيب الريحاني الذي كان له الفضل في إرساء دعائم المسرح الكوميدي في العالم العربي. بدأ حياته الفنية في بداية القرن العشرين، حين بدأ أولى مسرحيات مع فرقة جورج ابيض تحت عنوان صلاح الدين الأيوبي و هي ميلودراما تاريخية و لكن لم تلقى الشخصية نجاحًا فتم فصله من الفرقة ليعود و يجتمع مع أصدقائه روزا اليوسف و حسن فايق و ستيفان روستي وقررا تكوين فرقة مسرحية أطلقوا عليها اسم الكوميدي العربي و ظل في نجاحات و اخفاقات حتى وصل إلى يوم تكوين فرقة “الريحاني” المسرحية التي أسسها مع عدد من الفنانين في مصر. أما سر تميزه فقد كان في تقديم الكوميديا التي لا تقتصر على الفكاهة السطحية بل تتجاوزها إلى النقد الاجتماعي والسياسي. كانت شخصياته دائمًا تنطوي على مزيج من الكوميديا والفكر، وهو ما جعله محط إعجاب الجميع.

كان الريحاني مبدعًا في استخدام الفكاهة كأداة لتوجيه الرسائل الاجتماعية والسياسية. قدم العديد من الأعمال التي ركزت على القضايا الاجتماعية في مصر مثل الظلم الاجتماعي، الطبقات الفقيرة، ومشاكل الفساد. من أشهر أعماله فيلم “سلامة في خير”، حيث أظهر ببراعة قدرة كبيرة على تقمص الشخصيات الشعبية والعصرية. كما قدم أعمالًا أخرى مثل فيلم سي عمر و ختم مسيرته بفيلم غزل البنات.

ولكن تميز الريحاني لم يكن مقتصرًا فقط على الكوميديا، بل كان أيضًا قادرًا على تقديم أدوار درامية نالت إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، كما كان له دور كبير في تأسيس المسرح المصري الحديث الذي مزج بين الفكاهة والرسائل الاجتماعية.

اما عن عبد الفتاح القصري: كوميديا من نوع آخر

يعتبر من أبرز الكوميديين في السينما المصرية. وُلد في 15 أبريل 1905 في حي الجمالية بالقاهرة، وبدأ مشواره الفني في سن مبكرة. اشتهر بتقديم أدوار “المعلم” أو “الموظف” بأسلوب كوميدي فريد، حيث استطاع أن يخلق حالة من الفكاهة التي تجمع بين البساطة والذكاء، وأن يتناول مشاكل المجتمع بأسلوب ساخر وهادئ.

كان القصري متميزًا بأسلوبه في تقديم الكوميديا التي تُبرز عيوب المجتمع بشكل فكاهي من دون أن تكون مبتذلة. من أبرز أعماله فيلم “ابن حميدو” الذي أبدع فيه مع إسماعيل ياسين، حيث قدم شخصية “المعلم حنفي” بكل تفاصيلها الكوميدية الممتعة. كما اشتهر أيضًا بأدائه المتميز في أفلام مثل “سكر هانم” وكون ثنائي في عدة افلام مع الفنان الكبير اسماعيل يس. ولعل أروع ما في أعمال القصري هو قدرته على تقديم شخصية الرجل البسيط الذي يعبر عن هموم الطبقات الشعبية بكثير من الإحساس والدقة.

ولكن حياته لم تكن سهلة، فقد عانى في سنواته الأخيرة من مشكلات صحية، وكان فقدان البصر أحد أهم التحديات التي واجهها. وعلى الرغم من الظروف القاسية التي مر بها، إلا أنه ظل يترك بصمته في عالم الفن حتى وفاته في 8 مارس 1964.

العلاقة بين الريحاني والقصري: تاريخ مشترك

عندما نلقي نظرة على حياة نجيب الريحاني وعبد الفتاح القصري، نجد أن هناك العديد من أوجه التشابه بينهما. كلاهما قدما أدوارًا كوميدية ترتبط بالطبقات الشعبية، واكتسبا شهرة واسعة بسبب قدرتهما على نقل أحاسيس البشر بشكل فكاهي. كما أن كلاهما كان له تأثير كبير على جيل كامل من الفنانين الذين جاءوا بعدهم.

لكن التباين بينهما يظهر في أن الريحاني كان مؤسسًا لفكر الكوميديا العميقة التي تتداخل مع القضايا الاجتماعية، بينما كان القصري يمثل نوعًا آخر من الكوميديا، أكثر بساطة وواقعية. كما أن الريحاني كان معروفًا بخطابه الفكري العميق وقدرته على إحداث تأثيرات جادة داخل المسرح، بينما كان القصري غالبًا ما يميل إلى تقديم أسلوب فني ساخر في إطار اجتماعي مباشر.

ومع ذلك، يبقى كلاهما قدوة للفنانين، ويعتبران جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الكوميديا العربية. اليوم، يعتبر الريحاني والقصري من أكثر الأسماء التي يتم الإشارة إليها في الدراسات المسرحية والكوميدية في العالم العربي.

توفي كلاهما في نفس اليوم

من المثير للدهشة أن نجيب الريحاني و عبد الفتاح القصري توفيا في 8 مارس، ولكن مع اختلاف السنة. فقد رحل نجيب الريحاني في 8 مارس 1949، بينما توفي عبد الفتاح القصري في 8 مارس 1964. وعلى الرغم من الفارق الزمني بين وفاتهما، فإن هذا اليوم أصبح مرتبطًا في الذاكرة الفنية بوفاة اثنين من أبرز رواد الكوميديا في العالم العربي.

الخلاصة

بين نجيب الريحاني و عبد الفتاح القصري، نجد تاريخًا غنيًا بالفن والإبداع الذي لا يموت. كلاهما قدم أدوارًا كوميدية لا تزال تضحك الأجيال الجديدة، ويظل تأثيرهما حاضرًا في المسرح والسينما العربية. لقد تركا بصمة كبيرة في الثقافة الفنية العربية، ونجحا في دمج الفكاهة مع قضايا المجتمع، مما جعل فنهما خالداً في ذاكرة المشاهدين.

المزيد: الليثي تحت المجهر..محمود الليثي يكسر صمته و يرد بالقانون

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.