الزهراء ووالدها ﷺ في جميع الأزمنة بقلم د. رحاب أبو العزم

الزهراء ووالدها ﷺ في جميع الأزمنة

الأم هي الصاحب والأب هو الفارس تولد الابنة وتنشأ وتتربى بين الأب والأم على مبدأ أمي هي صديقتي وأبي هو فارس أحلامي، أمي هي ونيستي وأبي هو سندي، أمي هي بئر الحنان وأبي هو عقل الزمان، وتجمع الابنة بين ملامح الأمومة وجوهر الأبوة لترتقي بحياتها، وتزهو بمشاعرها وخيالها؛ وتتطلع إلى زوج المستقبل ليكون لها الامتداد لملامح الأم وجوهر الأب.

الزهراء ووالدها ﷺ في جميع الأزمنة… هي أم أبيها

ولم أجد مثالًا لعلاقة عميقة بين أب وابنته أقوى من تلك الرابطة الشفافة الصادقة العجيبة بين إحدى سيدات نساء الجنة رضي الله عنها وسيد الخلق ﷺ؛ فقد كانت الزهراء رضي الله عنها منذ طفولتها شديدة الرعاية لأبيها كرعاية الأم لولدها، وكانت تضمّد له الجراح بعد الغزوات، وتضمد له الأحزان حينما يتعرض له الكفار بالأذى المعنوي والجسدي. هي الأم الرحيمة والعطوفة التي تغدق عليه ﷺ حنانها ومحبتها، ولم تكن قد وصلت لقوة الاحترام والحب لأبيها إلا بعد ما رسم الأب لنفسه تلك القامة العالية، ولا أتحدث هنا عن مقام النبوة بيد أنني أحدد صورة الأب الإنسان وليس النبي.

الأب في عيون ابنته

لم يصل الأب لهذا المقام الرفيع في عيون ابنته لمجرد أنه الأب الذي أنجب وربى وأنفق الوقت والمال للتربية؛ إنما قد ارتسمت صورته الزاهية، وبُنِي مقامه العظيم في عقل الابنة وقلبها لِما رأته واستوعبته من قوة الأفعال وقوة الأقوال. رأت والدها وقد وضع أمها في أعماق قلبه، وسارع في فعل جميع ما يمنحها -كزوجة- التقدير والاحترام، وداوم على حفظ كرامتها، ولم ينكر لها جميلًا، وأعلنها مدوية للعالم إلى آخر الزمان: ” لا والله لم يبدلني الله بخير منها”، وكما بين الإمام ابن حجر العسقلاني قدر الزوجة خديجة -رضي الله عنها- بأنه لا اختلاف على عظيم قدرها عند رسول الله ﷺ، وعلى مزيد فضلها حيث إنها قد أغنته عن غيرها؛ فاختصت بميزتين أولها: لم يتزوج الرسول عليها لأنه -وهو الشاب عنها- قد استغنى بها عن نساء العالمين، وأنه قد عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عامًا، انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عامًا، وهي نحو الثلثين من المجموع، ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة وآلامها؛ وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها.
وها هي الابنة تراقب تلك الأفعال، وهذه الأقوال العظيمة التي أعلت من قدر أمها، ومنحت لها العزة والكرامة في حياتها وبعد مماتها؛ فكان دائم الذكر لفضلها وقدرها. هي الابنة التي تنظر إلى أبيها عن عمق لترسم في خيالها صورة لزوجها، وآملة أن يكون مثل أبيها الزوج المتفاني في حفظ زوجته بحب وتقدير وكرامة. هي الابنة التي ترى والدها وهو يخدم نفسه بكل تواضع، ومراعاة لأحوال زوجته؛ يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويقم بيته، ويعلف شاته. هي الابنة التي ترى الوالد وقد ثابر من أجل عمله، واجتهد وتفانى كثيرًا كي يبلغ الرسالة ويؤدي الأمانة على وجه يرضي الله تعالى، ولا يقبل أي تهاون في عمله.
مأساة الابنة في أبيها
إن بداية المأساة حينما ترى الابنة والدها وقد أهان أمها بأي صورة من صور الإهانة؛ الكلمة القبيحة، أو السخرية والاستهزاء والتهكم، أو الاحتقار والتكبر، أو الضرب والمعاملة البهيمية، أو الخديعة والكذب؛ فتتلاشى تدريجيًا صورة القدوة الأبوية، وتختفي ملامح زوج المستقبل. إنها الصورة الأبوية في خيالها وقد أماتت -شيئًا فشيئًا- ملامح زواج هانئًا سعيدًا. وتستمر المأساة بصورة الأب المحتال أو المتصابي أو المدمن أو المتكاسل العاطل؛ لتسقط في عمق الفؤاد جميع القامة الأبوية التي كانت عالية.
أيها الأب لو أردت الزهراء ووالدها فسر على دربه؛ كزوج وكصاحب عمل وكصاحب رسالة لتكن في عيون ابنتك كما كان ﷺفي قلب الزهراء.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.