هل تبحث عن السعاده و قلب مطمئن وحياة هادئة؟ السر هنا بين سطور هذا المقال
بقلم ريهام طارق
القدر ليس مجرد لفظ يتردد في المواعظ أو يتداول على الألسنة عند وقوع المصائب، بل هو سُنّة إلهية وقانون كوني نافذ في حياة البشر جميعًا.
الإيمان والاستسلام للقدر لا يُعد ضعفاً، بل هو قوة داخلية راسخة تحرر الإنسان من قيود الخوف والقلق، وتمنحه طمأنينة لا ينالها إلا من أيقن أن ما قدره الله له لن يتخطّاه أبدًا.
نبينا ورسولنا وحبيبنا ومعلمنا محمد ﷺ
ويتجلى هذا المعنى بوضوح في سيرة النبي محمد ﷺ وصحابته الكرام، فقد عاشوا الاستسلام للقدر في أبهى صوره فعندما اشتد البلاء بالنبي ﷺ بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها، لم يستسلم للحزن ولا انهزم أمام قسوة المصيبة، بل رفع يديه إلى السماء وقال: {إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي} هنا يظهر الاستسلام الحقيقي للقدر، إذ لم يكن همه ﷺ دفع البلاء أو الهروب منه، بل الاطمئنان إلى رضا الله.
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
ومن صور التسليم للقدر ما حدث مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، حين رماها المنافقون زورًا وبهتانًا، و كان البلاء شديدًا عليها وعلى بيت النبوة، حتى قالت: {فبكيتُ تلك الليالي، حتى ظننتُ أن البكاء فالقٌ كبدي}.
ومع شدة البلاء، لم يكن منها إلا الصبر والتسليم لقضاء الله، حتى جاء الفرج بآيات من القرآن تتلى إلى يوم القيامة، تُبرئ ساحة الطاهرة وتُخلّد قصتها عبر الدهور، لقد علمتنا أم المؤمنين أن البلاء مهما اشتد، بالصبر والثقة بالله هما طريق النجاة، وأن الله يظهر الحق في وقته، بلطف ورحمة قد لا ندركها في لحظتها.
جسد الصحابة رضوان الله عليهم أعظم معاني التسليم لقدر الله في حياتهم اليومية.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وكانت حياة أبو بكر الصديق رضي الله عنه مليئة بالمواقف التي تجسد معنى الاستسلام للقدر مع قوة الإيمان والثبات، ظهر هذا عندما توفي رسول الله ﷺ، ارتجّت المدينة وعمّ الحزن والذهول بين الصحابة، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنكر موت النبي ﷺ وقال: {والله ما مات رسول الله، وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم}
لكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه دخل على النبي ﷺ، وقبّله وقال: {طِبت حيًّا وميتًا يا رسول الله} ثم خرج إلى الناس وقال قولته التي خلدها التاريخ:
{من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت} ثم تلا قول الله تعالى:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
في هذا الموقف الجليل، جسّد أبو بكر الاستسلام للقدر بأسمى معانيه، فلم يُنكر المصيبة، ولم يجزع، بل ذكّر الأمة بأن كل شيء بقدر الله، وأن الواجب هو الثبات على الدين لا الاضطراب أمام البلاء.
الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وهذا عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: {لو كُشف الغطاء ما ازددت يقينًا}، في إشارة إلى قوة إيمانه بأن كل ما يجري هو بقضاء الله وقدره.
الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وقد لخص الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذه الحقيقة العميقة بقوله: {من خاف من الفقر فهو في فقر، ومن خاف من المرض فهو في مرض}، وهي كلمات وجيزة تحمل معاني بالغة العمق، المقصود منها أن الخوف يجعل الإنسان أسير ما يخشاه، فمن عاش مهووسًا بالفقر ظل فقيرًا مهما امتلك من مال، ومن عاش خائفًا من المرض وقع فريسة الأوجاع ولو كان في صحة وجسم خال من الأمراض، ومن استسلم لـ الخوف من الحسد عاش في قلق و ذبلت روحه قبل أن يذبل جسده.
بلال بن رباح رضي الله عنه
ومن صور التسليم للقدر في حياة الصحابة الكرام، ما يروي عن بلال بن رباح رضي الله عنه حين كان يعذب في مكة على رمال الصحراء المحرقة، ولم يزد على أن يردد: {أحدا أحد}.
لم يكن بلال يملك شيئًا من أسباب القوة المادية، لكنه كان يستسلم تمامًا لقدر الله، واثقا أن العاقبة بيد الله وحده، فكان استسلامه سرّ نجاته وثباته.
سعد بن أبي وقاص رضي الله
وكذلك نرى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في غزوة أُحد حين أصيب بجراح، فقال: {ما كنت لأرى أن لي اليوم أجلاً قبل أن أبلغ ما كتب الله لي} هذه الكلمات تكشف عمق إيمانه بالقدر، فلم يجزع من إصابته، بل رأى فيها تنفيذا لقضاء الله، زادته قوة ويقينا لا ضعفا ولا انكسار.
عثمان بن عفان: {لا أخلع قميصًا ألبسنيه الله}
ومن أروع صور التسليم للقدر ما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين حوصر في داره وعلم يقينًا أنه سيُقتل مظلومًا، فقد رأى النبي ﷺ في المنام يبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فلما أدرك أن قدر الله نافذ لا محالة، قال كلمته الخالدة: {لا أخلع قميصًا ألبسنيه الله}، يقصد الخلافة، ورفض أن يقاوم بالسيف أو يُسفك دم لأجله، رغم أن عنده أنصار قادرين على الدفاع عنه، لكنه اختار الاستسلام الكامل لقدر الله، وفي يوم استشهاده كان صائما، يقرأ القرآن، حتى أُريق دمه الطاهر على المصحف الشريف، في مشهد خالد يثبت أن التسليم للقدر ليس ضعفا، بل يقين عميق بأن ما كتبه الله واقع لا محالة، وأن العاقبة للمتقين.
الإمام الشافعي وهو على فراش المرض
ومن أروع ما جاء عن العلماء في باب التسليم للقدر، ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله وهو على فراش المرض حين دخل عليه تلميذه المزني يسأله عن حاله، فأجابه الشافعي بكلمات خالدة:
{أصبحتُ من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، فلا أدري روحي تُساق إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها}.
هذه الكلمات تكشف يقين الإمام الشافعي وتسليمه الكامل للقدر، فلم يجزع من الموت، ولم يتشبث بالدنيا، بل استسلم لما كتبه الله عز وجل بروح مطمئنة لقد كان يرى في الاستسلام للقدر راحة للنفس، وطمأنينة للقلب، ودليل ثقة بأن الله لا يختار لعبده إلا الخير.
ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه
أكدت الدراسات النفسية الحديثة أنّ الانشغال المستمر بالمستقبل والقلق المفرط تجاه ما قد يحدث في المستقبل يولد أمراض جسدية ونفسية خطيرة، قد تفضي في بعض الأحيان إلى الوفاة المبكرة
في النهاية إذا كنت ترغب أن تعيش حياه مليئه بالسلام وراحة البال، لا بدّ من التسليم و الرضا بما قسمه له الخالق واليقين بأنّ ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
“اللهم ارزقنا قلوبًا عامرةً بالرضا، وأرواحًا مطمئنةً بذكرك، ورفقةً صالحةً ولا تجعلنا يومًا نتجرع مرارة الوحدة أو نخسر دفء الونس، اللهم اجعل لنا في كل ضيق فرجًا، وفي كل وحشة أنسًا، وفي كل لحظةٍ قلوبًا تحبنا بصدق وتدعونا بخير.”