السينما ترفع قبعتها للعمال… حكايات الكفاح على الشاشة الفضية
السينما ترفع قبعتها للعمال... حكايات الكفاح على الشاشة الفضية
السينما ترفع قبعتها للعمال… حكايات الكفاح على الشاشة الفضية
في الأول من مايو من كل عام، يحتفي العالم بعيد العمال، تقديرًا لدورهم المحوري في نهضة الأمم وبناء المجتمعات. ووسط هذا الاحتفاء الأممي، لا تغيب السينما المصرية عن المشهد، فقد كانت -ولا تزال- مرآة تعكس قضايا المجتمع وتفاصيل طبقاته، وفي القلب منها فئة العمال، التي ناضلت في صمت وواجهت تحديات قاسية من أجل لقمة العيش، فاستحقت أن تُخلد قصتها في أعمال خالدة.
كتب: هاني سليم
على مدار عقود، طرحت السينما المصرية العديد من الأفلام التي تناولت حياة العمال، ناقشت أزماتهم الاجتماعية والاقتصادية، جسدت صراعهم من أجل الكرامة، وكفاحهم في وجه الفقر والتهميش، حتى باتت بعض هذه الأعمال من كلاسيكيات الشاشة، تُعرض في كل عيد للعمال، وكأنها تذكير بقيمة الإنسان العامل، وتوثيق درامي لنضاله.
وفي هذا التقرير، نلقي الضوء على سبعة من أبرز الأفلام التي تناولت قضايا العمال، وقدم من خلالها كبار النجوم أدوارًا إنسانية مؤثرة، رسخت في ذاكرة الجمهور العربي.
الأيدي الناعمة.. من القصر إلى حديقة الورد
يُعد فيلم “الأيدي الناعمة” واحدًا من أكثر الأعمال الفنية عرضًا في عيد العمال، ليس فقط لقيمته الفنية، بل لأنه يجسد رحلة التحول الاجتماعي من الطبقية إلى العمل الشريف. تدور أحداث الفيلم حول أمير سابق، يؤدي دوره الفنان الكبير أحمد مظهر، يفقد ممتلكاته بعد سقوط الملكية في مصر، ليجد نفسه في مواجهة حياة لا يعرف عنها شيئًا.
وبينما يتعرف الأمير على شاب حاصل على الدكتوراه ويعاني من البطالة، يبدأ هو الآخر رحلة بحث عن العمل، فيتحول إلى عامل بسيط في زراعة الورود. وبين هذا التحول وتفاصيل الصراع الداخلي، يعيد اكتشاف معنى الكرامة والعمل، لا سيما بعد أن يكتشف زواج ابنته من مهندس بسيط يمتلك مصنعًا. في نهاية المطاف، يتصالح مع واقعه الجديد، ويقبل العمل سائقًا على أتوبيس نهري، في انتصار رمزي لقيمة العمل اليدوي.
الفيلم من تأليف توفيق الحكيم وسيناريو يوسف جوهر، وإخراج محمود ذو الفقار، وشارك في بطولته كوكبة من النجوم منهم صلاح ذو الفقار، صباح، مريم فخر الدين، ليلى طاهر.
باب الحديد.. بائع الصحف وظلال الجنون
من أفلام الواقعية الجديدة التي صدمت الجمهور في وقتها، يأتي فيلم “باب الحديد” للمخرج يوسف شاهين، والذي عُرض عام 1958، ليسلط الضوء على العمال في بيئة محطة القطارات، وتحديدًا شخصية “قناوي” بائع الصحف، الذي جسده يوسف شاهين نفسه في أداء درامي نفسي معقد.
قناوي رجل وحيد، مضطرب نفسيًا، يعاني من الوحدة والرفض المجتمعي، ويكن مشاعر ملتبسة تجاه “هنومة” بائعة المشروبات الغازية، التي لا تراه إلا بعين الشفقة. ومع إعلانها نيتها الزواج من “أبو سريع” العامل القوي (أداه ببراعة فريد شوقي)، تتصاعد أزمة قناوي إلى ذروتها، في محاولة مأساوية للانتقام تنتهي بكشف مرضه النفسي وتدخل “عم مدبولي” (حسن البارودي) لإنقاذ الموقف.
الفيلم تناول العامل البسيط من زاوية نفسية واجتماعية، وفتح بابًا جديدًا لفهم ما يعانيه المهمشون في صمت.
الأرض.. الفلاح المقاوم رمز الكرامة
رغم أن “الأرض” يتناول حياة الفلاح، إلا أن الفلاح المصري في واقعه التاريخي هو نموذج للعامل المكافح في أرضه، منغمس في معركة البقاء ضد الإقطاع والاستغلال. الفيلم المأخوذ عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي، أخرجه يوسف شاهين عام 1970، ويعد من روائع السينما السياسية والاجتماعية.
تدور القصة حول “أبو سويلم”، الذي جسده أسطورة التمثيل محمود المليجي، في دور أيقوني يرمز إلى التمسك بالأرض باعتبارها مصدر الكرامة والوجود. يرفض بيع أرضه رغم التهديدات، ويقود الفلاحين في معركة بطولية ضد السلطة الإقطاعية، في واحدة من أقوى صور المقاومة الشعبية في السينما.
الفيلم شارك في بطولته عزت العلايلي ونجوى إبراهيم، واعتُبر من أقوى الأفلام التي جسدت نضال الفلاح كعامل منتج.
النمر الأسود.. العامل المصري في الغربة
يحكي فيلم “النمر الأسود” للمخرج عاطف سالم، عن تجربة العامل المصري في الخارج، من خلال شخصية “محمد حسن المصري”، الذي أدى دوره بإتقان أحمد زكي، وجسد فيه معاناة العامل في الاغتراب، ونجاحه رغم كل العقبات.
هاجر محمد حسن إلى ألمانيا، وهناك تميز في مهنة الخراطة واخترع آلة جديدة، كما احترف الملاكمة، وأصبح نجمًا رياضيًا شهيرًا بلقب “النمر الأسود”. الفيلم يجمع بين الكفاح المهني والتحديات العنصرية والاجتماعية التي واجهها في الغربة، ويقدم صورة مشرقة للعامل المصري المكافح.
الأسطى حسن.. العودة إلى الأصل
في فيلم “الأسطى حسن” (إنتاج 1952)، نرى الصراع بين الطموح الزائف والواقع النبيل. يقوم فريد شوقي بدور العامل حسن، الذي يمتلك ورشة خراطة ويعيش حياة بسيطة مع زوجته وطفله. تنقلب حياته عندما تتقرب منه امرأة من الطبقة الراقية، وتحاول أن تصنع منه رجل أعمال، لكنه يكتشف لاحقًا زيف هذا العالم، ويعود إلى ورشته، إلى زوجته، إلى كرامته.
الفيلم من إخراج صلاح أبو سيف، ويُعد نموذجًا فنيًا للعودة إلى الجذور، حيث الكدّ والعمل هما الطريق الحقيقي للحياة.
للرجال فقط.. المناداة بالمساواة
لم تغفل السينما المصرية دور المرأة العاملة، وجاء فيلم “للرجال فقط” كواحد من الأعمال الرائدة في هذا السياق. الفيلم بطولة سعاد حسني ونادية لطفي، وتدور أحداثه حول فتاتين تتنكران في هيئة رجال للعمل في أحد مواقع البترول، بسبب حرمان المرأة من هذا المجال.
يطرح الفيلم فكرة المساواة في العمل، ويُبرز كفاءة المرأة وقدرتها على تحمل المشقة، وهو من إخراج محمود ذو الفقار، وسيناريو محمد أبو يوسف.
فتاة المصنع.. هموم عاملات اليوم
بأسلوب عصري وإنساني، قدم المخرج الكبير محمد خان فيلم “فتاة المصنع” عام 2014، الذي تناول معاناة الفتيات العاملات في مصانع الملابس، من خلال قصة “هيام”، شابة تقع في حب مهندس في المصنع الذي تعمل به.
الفيلم ألقى الضوء على واقع شريحة مهمّشة من النساء العاملات، وعكس الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي يتعرضن لها. بطولة ياسمين رئيس، وسلوى خطاب، وهاني عادل.
قد تختلف البيئات والحقب الزمنية، لكن العامل يظل رمزًا للكفاح والإصرار على العيش بكرامة. من قصر الأمير في “الأيدي الناعمة” إلى ورشة “الأسطى حسن”، ومن محطة القطارات في “باب الحديد” إلى مصانع الملابس في “فتاة المصنع”، خطّت السينما المصرية تاريخًا موازيًا لنضال الطبقة العاملة، وخلدت صورهم في ذاكرة الأمة.
ومع كل عرض لتلك الأفلام في عيد العمال، نعيد تذكير أنفسنا بأن خلف كل منتج، وخلف كل نهضة، يقف عامل بسيط يُنير الحياة بعَرقه، ويستحق أن يُحتفى به كل يوم ليس فقط فى اليوم الأول من مايو .