الشَيء الذِي يُهمَل يَضمُر…
الشَيء الذِي يُهمَل يَضمُر …بقلم: وِئام أحمد
مَن مِنا لم يَحتج بين الفَينَة والأخرىٰ أن يترك صخب الحياة و يرتكِن إلىٰ رُكنٍ هاديء وحيدًا ولم يلقَ صدَّا في ذلك إلا مِن قِبَل نفسه؛ فإذا تصادف وأصبحت وحدك في غُرفتك سينتابك ذعرٌ وغربة مِما ستلقىٰ فتحاول الإتصال بمن تُحب لتشعر بالراحة والأنس بل وتهرب مِن هذا الغريب الذي يَسكن أنفاسك و يُسمىٰ نفسك…
أؤمن أن العلاقة بين المرءِ ونفسه هي التي تُحدد العلاقة بينه وبين الآخرين بل وتُحدد موقعه مِن الحياة وتجعله يسير في خطٍ مُستقيمٍ أو مُنحنىٰ.. إن هذا الخَطب هو العين التي نرىٰ بها الحياة…
في الحقيقة نحن نسعىٰ إلىٰ الراحة من المشكلات ولا نسعىٰ لحلها لأنها يجب أن يُشارك في حلها الطرفين وهذا بالطبع لا يحدث إلا بقدرِ أُنملة…أجل فجميعنا يمر بتلك اللحظات؛ حيث لا تغدو تصرفاتنا الخارجية إلا كردِ فعلٍ لشيء ما يدور بيننا وبين أنفسنا ولا ندري حقًا ما الذي أصابنا وأصاب أنفسنا النقية الطاهرة…
هكذا نحن مع أنفسنا نخشىٰ سماع صوتها فنسمح لأصواتِ الآخرين أن تعلو بداخلنا لأننا اعتدنا الاستئناس بالجميع إلا أنفسنا… أجل إنها حيلةٌ ذكية حقًا حتىٰ لا نضطر يومًا للإنصاتِ لصوتِ النفسِ الداخلي لأننا نخشىٰ مِن مواجهة جوهرنا النقي الخالي من أي زينة أو نفاق.
هكذا هي نفسك التي تركتها منذ أعوامٍ فتكونت فجوة كبيرة بينكما وتراكم عليها ما تراكم من أحداث الحياة ولم نُعطيها حقها من العناية ومناقشتها ومراجعتها وإصلاحها وتسويتها وتقويمها؛ لأنك في زمانٍ ونفسك في زمانٍ آخر بل أنت لم تكن موجودًا من الأساس لأنك كنت منشغلًا بأصوات الآخرين وكنتيجة طبيعية تتوقف نفسك عند هذا العمر فتهرم قبل الأوان وأنت لم تعش ربيع الحياة…
النفس هي رفيقة المرء وصاحبته فهو يستمع إليها ويستوضح الأمور بنظرتها وبنظرته في حيادٍ تام وعليه أن يصل إلىٰ درجةٍ من التفاهم والوفاق مع نفسه قبل أن يجدد لقاءه بالعالم فهي تحتاج إلىٰ تزامنٍ ومعالجة مستمرة؛ فكل منا عليه أن يرفق بنفسه….
لقد عشنا من الوقت ما عشناه بطريقة أو بأخرى ولكن من المؤكد أنها لم تكن طريقتنا الخاصة بنا فكل منا له لونه الخاص وأن من يُحدد هذا اللون هو درجة نجاحك في الوصول إلىٰ نفسك والتناغم معها، فمن وجد نفسه وتراضىٰ بها وجد لونه الخاص ومن لم ينجح بعد في الوصول فهو يعيش بألوان الآخرين بل يعيش حالة من الانتظار والشرود والحنين إلىٰ ذاته المفقودة ثم يرىٰ الحياة تمر وهو لا زال في بحثٍ عما ضاع منه…
ذلك المجهود الضائع الذي يبذله ليبحث عن نفسه بين الآخرين، فقط لو أعطىٰ روحه بعض الحرية واستغنىٰ عن قيود الآخرين بل إذا تحلىٰ ببعضِ الثقة والمسئولية والمغامرة حتمًا سيتقبل الصورة التي سيجد نفسه عليها ومن ثَم يبدأ رحلة التطوير كما يحب…
فقط إذا ابتعد عن الحوائط الأربع(الواقع_ المفروض _ المتوقع _ المنتظر ) واندفع نحو توظيف جهده بالشكل الصحيح ونظر إلىٰ أعماقه بدلًا من اجتياح أبواب الآخرين المغلقة، لوجد بداخله بقعة مُضيئة وسط الظلام مُلتفة حول بعضها خائفة مُترقبة تُحاول الالتحاف بالظلام؛ نعم لقد انتهىٰ عصر الظلام الطويل أخيرًا بلُقياكما ومن ابتسمت إليه نفسه فقد زارت البسمة حياته زيارة لا ذهاب بعدها ولا رحيل ومن أحسن إلى نفسه ولم يهنها فقد شكر خالقه علىٰ النعمة وأدىٰ الأمانة في حق نفسه بل واستطاع أن ينطلق ليحسن للآخرين ويحسن للعالم بأسره؛ فهي النفس كلمة السر ونقطة المُنطلق.