ريهام طارق تكتب: الصحافة في قبضة السلطه استقلال مفقود أم احتضار محتوم؟
الصحافة تحت الحصار: هل انتهى عصر الحقيقة؟
تشهد نقابة الصحفيين حالة من الجدل الواسع مع كل دورة انتخابية، حيث يطفو على السطح تساؤل محوري بالغ الأهمية: هل يعد الانتماء السياسي لنقيب الصحفيين عاملا حاسما في رسم ملامح مستقبل المهنة، أم أن الأزمة تمتد بجذورها إلى أبعاد أكثر عمقا؟
بقلم ريهام طارق
الواقع يكشف حقيقة صادمة مفادها أن هوية النقيب، سواء كان مواليا للسلطة أو معارضا لها، لم تكن يومًا الضامن لـ ازدهار الصحافة أو إنقاذها من أزماتها الاقتصادية المتفاقمة.
الصحافة تتأرجح بين الدعم الحكومي والاستقلال المهني:
العلاقة بين الصحافة والسلطة دائما ما نجدها معقدة و متأرجحة بين التعاون والصدام، حيث يروج البعض لفكرة أن التقارب مع السلطة هو مفتاح استقرار المؤسسات الإعلامية وضمان ازدهارها، لكن الواقع يكشف حقيقة مغايرة، مفادها أن هذا التقارب غالبا ما يكون على حساب الدور المهني للصحافة، مما يحولها إلى أداة ترويجية بدلاً من كونها سلطة رقابية مستقلة.
اقرأ أيضا: فضيحة تهز الدراما.. الأغنية الدعائية لمسلسل “سيد الناس” مسروقة!
التبعية المالية: استقرار هش ومكاسب زائفة:
وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة وتراجع عائدات الإعلانات، وجدت العديد من المؤسسات الإعلامية نفسها مضطرة إلى الاعتماد على الدعم الحكومي كوسيلة للبقاء لكن هذا الدعم لم يأتي دون مقابل، حيث فرضت قيود غير مباشرة على الخط التحريري، ما أدى إلى تآكل الدور النقدي للصحافة ومع مرور الوقت، تحولت بعض المنابر الإعلامية إلى مجرد ناقل لوجهة نظر السلطة، متخلية عن دورها الأساسي في مساءلة المسؤولين وكشف الحقائق، وفي المقابل، حاولت بعض المؤسسات الإعلامية المستقلة الحفاظ على مسافة من السلطة، سعيا وراء حرية تحريرية أكبر لكن هذه الحرية لم تكن كافية لضمان الاستدامة المالية، حيث واجهت تلك المؤسسات تحديات تمويلية جعلتها تعتمد على مصادر أخرى، مثل الدعم الخارجي أو التمويل غير المستقر، مما وضعها أمام اختبار صعب بين التمسك بالمبادئ المهنية أو البحث عن حلول مالية قد تفرض عليها أجندات جديدة.
اقرأ أيضا: ريهام طارق تكتب: الدراما التلفزيونية تحتضر.. و نجوم يقتلون الإبداع بالتكرار!
الحل في الابتكار والاستقلال المالي:
المخرج الوحيد من هذه الأزمة الخانقة التي تطوق عنق الصحافة وتهدد وجودها، لا يكمن في الاستمرار بالاعتماد على الدعم الحكومي، بل في تبني نماذج تمويل حديثة تواكب التطورات الرقمية، مثل الاشتراكات المدفوعة، والاستثمار في المحتوى المتخصص فازدهار الصحافة لا يتحقق إلا عبر الاستقلال المالي، الذي يضمن قدرتها على تقديم محتوى مهني عالي الجودة، بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو اقتصادية تقيد دورها الرقابي.
اقرأ أيضا:ريهام طارق تكتب: التنوع والتكرار في الدراما التلفزيونية بين الابتكار والاستثمار
و يبقى لدينا العديد من التساؤلات تحتاج إلى اجابه:
هل تستطيع المؤسسات الإعلامية إعادة بناء نموذج اقتصادي خاص بها يضمن استقلالها المهني؟
هل ستظل المؤسسات أسيرة معادلة الدعم والتبعية و فاقدة دورها كسلطة رقابية في المجتمع؟
هل الصحافة مهنة البحث عن الحقيقة أم تحولت الي لعبة تصالح المصالح؟
الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي ركيزة أساسية للمجتمع، ولن تتمكن من أداء دورها الحقيقي إلا عندما تتحرر من قيود التمويل المشروط، مستعيدة قدرتها على محاسبة السلطة وكشف الحقائق بجرأة وموضوعية، دون خوف أو تحيز.
الحل لا يكمن في الوعود السياسية، بل الحل الواقعي والامثل في تبني نماذج تمويل مبتكرة تضمن استقلاليتها عن الضغوط السياسية والاقتصادية و الاشتراكات الرقمية، والاستثمار في المحتوى المدفوع، والتعاون مع المنصات الإعلامية الحديثة، أثبتت عالميا فعاليتها في بناء منظومة صحفية مستقلة وقوية. وعندما يتحقق هذا التحول، تستعيد الصحافة مكانتها كسلطة رقابية حقيقية، محصنة ضد أزمات التبعية والانهيار المالي.