في روايته “في مرآة السراب”[1] يقدّم عبده حسين إمام، المهندس والشاعر والقاص، سردًا مركّبًا لا يكتفي بتصوير الواقع المصري المعاصر، بل يشتبك معه بأدوات تحليلية تجمع بين الشعرية والهندسة في بناء نصوصه.
إن ازدواجية خبرته بين الهندسة والأدب تمنح الرواية بنية فريدة: حيث تصبح المؤسسات البيروقراطية أمكنة محايدة ظاهرًا، لكنها فعليًا مختبرات لتدمير الذات، لا سيما الذات الأنثوية.
عبر استعارة “المرآة” بوصفها شاشة لانعكاس زائف، تُفكك الرواية مفهوم الهوية، فتضعنا أمام سؤال جوهري: هل تعكس المرآة حقيقة أم سرابًا؟
سمر، البطلة المركزية، تمثل صورة الذات الأنثوية التي تتأرجح بين مرجعيتين: الأب، (مدرس الزراعة العاشق للزهور)[2] الحالم والمحب للجمال، والأم، الحارسة الصارمة للموروث القيمي (“الأصل أخلاق وجذور”)[3]. يتجلى الصراع الجيلي داخلها حين تُضطر للهروب من الريف بعد حادثة السرقة، وهو حدث يعبّر، وفق قراءة نفسية، عن عقاب الأنا الأعلى لها بسبب تمردها على النسق الأبوي (فرويد). تقول الرواية:
“كم هان عليها وجودها وجمالها الذي تقبض عليه وتحوطه وترعاه في خفاء عملها القاسي”[4].
هنا يتحول امتيازها العلمي إلى عبء داخل مؤسسة فاسدة لا ترى في المرأة سوى تابع:
“نحن في خدمة الباشا ومن يأتي من طرف الباشا”[5].
شخصية شربات – التي تتحول إلى “مدام شهيرة”[6] – تقدم مثالًا على الانفصام الهوياتي. التحول من بائعة خضار إلى امرأة في مراكز النفوذ المصطنعة يُعيد إنتاج ما سماه دريدا بـ”اللعب غير المتناهي للعلامات”:
“حتى اسمها تبدل… صارت يُناديها رجال ‘مدام شهيرة'”[7].
علاقتها بمرزوق تمثل صورة للعبودية الطوعية (لا بواليه)، بينما شعرها القصير في الغلاف – كما تشير إيمان حجازي – يرمز إلى تمرد داخلي مكبوت.
تمثل الأم سلطة الأخلاق التقليدية، وتجسد، كما في خطابها:
“الأصل أخلاق وجذور… يظل الأصل بأخلاقه وطعمه الغالب”.
حوارها مع سمر يكشف عن صراع الأجيال بين أصالة قمعية وحداثة مأزومة، وهو تمثيل للانقسام الداخلي في الهوية الثقافية الوطنية.
المرآة هنا لا تعكس الذات بل تفرغها من معناها، وتُحوّل التأمل إلى صدمة وجودية. الغلاف يقدّم أنثى حافية القدمين[8]، محاطة بالسواد، في صورة ذات جمالية قاتمة، توحي بالبحث عن جذور مفقودة وهوية مسلوبة.
كل ما تسعى إليه سمر يتحول إلى سراب: الامتياز، الترقية، وحتى الحب. علاقتها بدنيا، مثلًا، لا تمثّل توازنًا عاطفيًا بقدر ما تعكس مصلحة ذكورية متخفية[9]:
“شعرها الكستنائي… لو حررته لتغار منها تلك الوجوه”.
الجسد الأنثوي في الرواية محاصر من ناحيتين:
· جسد شربات: مسلّع في سوق المصالح[10].
· جسد سمر: محروس بالوقار[11]، لكنه عرضة للتحرش المؤسسي والتفتيش البصري، خاصة في مشهد تعيينها.
يتم فحص سمر من المدير ككائن بصري قبل أن تُعامل ككفاءة وظيفية.
وهذا يعكس مركزية الجسد الأنثوي في علاقة السلطة:
“وجهها الخمري… ينظر إليه المدير مطولًا قبل أن يكلّمها”.
خطاب المؤسسة يؤكد التراتبية: “يا باش مهندسة”[12] ليست مجرد تحية، بل تذكير دائم بموقعها الأدنى في هرم السلطة.
مرزوق يدفع رشوة لصحفية[13] لتزييف الحقائق وتوريط سمر، في تحوّل مأساوي يحوّل الأخلاق إلى سلعة قابلة للتداول.
1. ثنائية الريف والمدينة
التفكيك
الريف جنة مفقودة، المدينة جحيم مموه
الدليل النصي
“كم هان عليها وجودها”[14]
2. ثنائية النقاء والفسلد
المزيد من المشاركات
التفكيك
سمر تفقد نقاءها لتبقى
الدليل النصي
تعديل بياناتها[15]
3. ثنائية الحب/المصلحة
التفكيك
دنيا يستخدم سمر لتحقيق مكاسب
الدليل النصي
سفرهما الى كوريا [16]
· تحليل نفسي دقيق يعكس عمق الشخصية.
· توظيف ذكي للرمزية، خاصة المرآة والسراب.
· استخدام مرجعيات فلسفية ونقدية (فرويد، دريدا، لا بواليه) يعمّق القراءة.
· لغة السرد البلاغية تسهم في خلق طبقات دلالية متعددة.
· الإفراط في الاسترجاع الزمني يربك القارئ في بعض المواضع (كما أشار هشام سلامة)[17].
· بعض الشخصيات – مثل نهلة – جاءت نمطية دون تعقيد نفسي.
· وصف المشاهد أحيانًا يمنع القارئ من ممارسة خياله (كما لاحظت هالة المهدي) [18].
“في مرآة السراب” ليست رواية عن المرأة بقدر ما هي رواية عبر المرأة. تتشظى فيها الهوية الأنثوية تحت ضغط المؤسسة، بينما تُمسي المرآة أداة لفحص هشاشة مجتمع ما بعد الثورة. سمر لا تنتصر ولا تنهزم، بل تتحول إلى مرآة مشروخة تعكس أمراض وطن بأكمله.
“تظل في الخلف عند مؤخرة البناء… تألق هذا المجتمع ما كان إلا جهدها”.
عبده حسين إمام، بشاعرية المهندس ودقة القاص، يقدّم رواية تستحق أن تُقرأ مرارًا، لا بوصفها مرآة واقع، بل كصرخة مكتومة في وجه السراب.
المصادر والمراجع
اولا المصادر
المؤلفات العربية
(1) عبده إمام حسين. (2025). في مرآة السراب”. القاهرة: منشورات لوتس للنشر الحر (مشروع النشر الحر).
مقالات فى الدوريات
(1) هالة المهدى. (20 مايو, 2025). قراءة نقدية في رواية “في مرآة السراب”. جريدة المشاهير.
(2) هشام سلامة. (24 مايو, 2025). قراءة نقدية في رواية “في مرآة السراب”. جريدة المشاهير.:
مواقع الانترنت
(1) إيمان حجازى. (2 يونيو, 2025). فراءة نقدية لرواية فى مرآة السراب.
(1) عبده إمام حسين. (2025). في مرآة السراب”. القاهرة: منشورات لوتس للنشر الحر (مشروع النشر الحر).
(2) الرواية ص 16
(3) الرواية ص 50
(4) الرواية ص 18
(5) الرواية ص 6
(6) الرواية ص 39
(7) الرواية ص 39
( إيمان حجازى. (2 يونيو, 2025). قراءة نقدية لرواية فى مرآة السراب.
(9) الرواية ص 23
(10) الرواية ص 42
(11) الرواية ص 16
(12) الرواية ص 27
(13) الرواية ص 64
(14) الرواية ص 18
(15) الرواية ص 26
(16) الرواية ص 88
(17) هشام سلامة. (24 مايو, 2025). قراءة نقدية في رواية “في مرآة السراب”.جريدة المشاهير
(18) هالة المهدى. (20 مايو, 2025). قراءة نقدية في رواية “في مرآة السراب”. جريدة المشاهير.

المقال السابق
قد يعجبك ايضآ