الصين تدرج شركة كندية على قائمة الكيانات غير الموثوقة

بكين تدرج شركة كندية على القائمة السوداء بعد كشفها تفاصيل عن شرائح “هواوي”

كتب باهر رجب

في تصعيد جديد للحرب التكنولوجية بين القوى العالمية، أعلنت وزارة التجارة الصينية إدراج شركة الاستشارات الكندية TechInsights على قائمة الكيانات غير الموثوقة، ومنعها من التعامل التجاري مع الشركات والأفراد في الصين. وجاء هذا القرار بعد أيام من نشر الشركة تقريرا مثيرا للجدل كشف أن بعض معالجات الذكاء الاصطناعي من شركة هواوي تحتوي على مكونات متقدمة من شركات آسيوية كبرى رغم القيود الأميركية المفروضة على الشركة الصينية منذ عام 2019.

 

تقارير التفكيك التي أثارت غضب بكين

تشتهر شركة TechInsights، التي تتخذ من أوتاوا مقراً لها، بتحليل الشرائح الإلكترونية عبر تقارير تفكيك تفصيلية (teardown reports) تمكن من تتبع مصدر المكونات داخل الأجهزة. وقد أثارت هذه الشركة غضب بكين في أكثر من مناسبة، حيث كشفت في عام 2023 أن معالج Kirin 9000s المستخدم في هاتف هواوي Mate 60 Pro قد صنع بتقنية 7 نانومتر بواسطة شركة SMIC الصينية رغم العقوبات الأمريكية التي تهدف إلى منع وصول الصين إلى هذه التكنولوجيا المتقدمة.

وفي تطور لاحق، أثارت الشركة مجددا تساؤلات حول إمكانية تحايل هواوي على العقوبات الأميركية عندما كشفت في عام 2024 أن رقائق هواوي Ascend 910B متعددة الرقائق تحتوي على مكونات من شركة TSMC التايوانية، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى التخطيط لإدراج شركة صينية أخرى هي Sophgo على القائمة السوداء لكونها زودت هواوي بهذه الرقائق.

 

حظر شامل وتهم تمس الأمن القومي

علقت وزارة التجارة الصينية على قرارها بالقول إن هذه الخطوة تهدف إلى “حماية السيادة والأمن والمصالح التنموية الوطنية”، متهمة “TechInsights” وشركات أخرى بأنها “تعاونت مع تايوان عسكريا و تقنيا، وساعدت حكومات أجنبية في تقييد شركات صينية، ما أضر بشكل خطير بالأمن القومي”.

وشمل القرار الصيني أيضا شركتين أميركيتين تعملان في تقنيات مضادة للطائرات المسيرة هما “Dedrone” و”DZYNE Technologies“، و منعهما من تنفيذ أي أنشطة استيراد أو تصدير مرتبطة بالصين، في خطوة تؤكد أن بكين لن تتردد في استخدام أدواتها الاقتصادية للرد على ما تراه تهديدات لمصالحها الوطنية.

حرب الرقائق.. منعطف جديد في الصراع التكنولوجي

تمثل هذه التطورات منعطفا جديدا في حرب الرقائق الدائرة بين الصين والولايات المتحدة التي تشهد فصولا متصاعدة منذ عام 2019 عندما أدرجت واشنطن شركة هواوي و 70 فرعا تابعا لها ضمن القائمة السوداء للمصدرين. آنذاك، منع القرار الأمريكي هواوي من شراء معدات إلكترونية من الشركات الأمريكية دون الحصول على موافقة حكومية، بما في ذلك الرقائق الإلكترونية المنتجة في مصانع أميركية مثل كوالكوم و إنتل التي تدخل في تركيبة منتجات هواوي.

وردا على هذه الإجراءات، عملت الصين على تعزيز اعتمادها على ذاتها في مجال التكنولوجيا المتقدمة. حيث أعلنت هواوي مؤخرا عن إطلاق منظومتي حوسبة جديدتين للذكاء الاصطناعي. هما “أطلس 950” و”أطلس 960“، ووصفها إريك شو. نائب رئيس الشركة بأنها ستكون “الأقوى في العالم لسنوات عديدة”.

 

مخططات التوسع رغم التحديات

لا تزال هواوي تواجه تحديات كبيرة في مجال إنتاج الرقائق المتقدمة. حيث أشارت تقارير TechInsights إلى أن الشركة لا تزال تعتمد على تقنية 7 نانومتر. في رقاقة Kirin X90 داخل حاسوب MateBook Fold Ultimate Design. مما يشير إلى صعوبات في التقدم إلى مستوى 5 نانومتر. ورغم ذلك، تواصل الشركة محاولات التوسع في الأسواق الخارجية. حيث تسعى لتصدير كميات صغيرة من رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. في مسعى لترسيخ وجودها في أسواق تهيمن عليها شركة إنفيديا الأمريكية.

 

مشهد تكنولوجى يبحث عن توازن جديد

علاوة على ذلك تشكل هذه التطورات امتدادا لحرب تجارية وتكنولوجية أوسع بين القوتين الاقتصاديتين الأوليين في العالم. فمن جهة، تهدف الولايات المتحدة إلى الحفاظ على تفوقها التكنولوجي. وذلك من خلال تقييد وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة وتقنيات التصنيع. ومن جهة أخرى، تعمل الصين على تعزيز قدراتها المحلية وتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الغربية. حيث أعلنت عن إنشاء صندوق جديد بقيمة 40 مليار دولار لدعم شركات الرقائق المحلية.

وفي خضم هذا التنافس، أصبحت شركات مثل TechInsights. أداة لكشف خفايا هذه المعركة من خلال تقارير التفكيك. التي توفر شفافية غير مسبوقة حول مصادر المكونات الإلكترونية. لكنها تدفع ثمنا لهذه الشفافية من خلال إدراجها في قوائم العقوبات.

كما يبدو أن الحرب التكنولوجية بين بكين وواشنطن تدخل مرحلة جديدة أكثر تعقيدا. حيث لم تعد تقتصر على القيود والعقوبات المباشرة. بل امتدت لتشمل شركات التحليل والاستشارات التي توفر معلومات حساسة. قد تغير موازين القوى في هذا الصراع الذي يعيد تشكيل خريطة التكنولوجيا العالمية.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.