الصُّعُود إِلَىٰ هَاوِيَة التَّفْكِير عِندمَا نَمنَح الفُرصَة الثانِية. بِقَلَم: وِئام أَحَمْد

عِنْدَمَا يُؤَلِّمكَ الْقُرْب اِبْتَعِد سرِيعًا دُونَ تَفْكِير ثُمَّ اتْرك مِسَاحَةً لِقَلْبكَ حَتَّىٰ لَا تَتَأَلَّم أَكْثَر، فَيَكْفِيكَ مِنَ الْحَيَاةِ طَعْنَة وَاحِدَة…أَجَلْ اِبْتَعَد لِأَنَّ الْفُرْصَة الثَّانِيَة لَا تَكَوُّن صَائِبَة فِي كُلَّ الْأَوْقَات وَلَا تُسْتَحَبّ مَعَ أى إِنْسَان.

 

اِبْتَعَد مَهْمَا كَانَ الشَّخْص نُور عَيْنَكَ وَضِيَاء قَلْبكَ فَالْفَرَاشَة تَحْتَرِق إذا مَا بَالَغَت بِالْاِقْتِرَابِ لِنُورِ الْمِصْبَاح، اِبْتَعَد لِأَنَّكَ سَتَغْرق حَتْمًا فِي الْبَحْرِ إذا مَا تَعَمَّقَت بِدُخُولِكَ فِيهِ وَأَنْتَ لَا تُجِيد فن السِّبَاحَة؛
رَوَّحكَ الْمُعَطَّرَة بِالْمَحَبَّةِ وَالشَّذَا وَالْعَبِير لَنْ تَتَأَثَّر بِذَلِكَ الْبُعْد لَكِنَّهَا فُرْصَة تُرِيح بِهَا قَلْبكَ الطَّيِّب مِنَ الْإِرْهَاقِ وَعَيَّنَاكَ الْبُرَاقَة مِنَ الْبُكَاءِ وَعَقْلكَ النَّاضِج مِنَ التَّشَتُّت، فَيَكْفِيكَ فَيَضَان النَّيْل مِنْ دُموعكَ.

استيقِظ مِن سُباتِك؛ وَاِمْسَح الْغُبَار مِنْ فَوْقِ رَأْسكَ وَكُن يَقظًا كَيْ تُدْرِك وَتَعِي وَتَتَعَلَّم أَنَّ قِيمَتكَ بِدَاخِلكَ هِي الَّتِي تجعَلك شَامِخًا قُوَيًا رَاسِخًا وَثَابِتًا كَالْْجِبَال.

سَتَبْتَعِدُ وَتُوَدِّعُ وَتَتَأَلَّمُ وَتَنْهَارُ وتبكِي وَلَكِنَّ حَتْمًا سَتَتَعَلَّم أَنَّ الْبُعْد لَيْسَ دَائِمًا خَسَارَة بَلْ هُوَ مَسَافَة أَمَان تَتَدَارَك بِهَا نَفْسكَ وَتُعِيدكَ لِرَسْمِ خُطُوطٍ وَاضِحَةٍ لِحَيَاتِكَ الَّتِي قَدْ غَفَلَت عَنْهَا، بَلْ تُعِيد لِقَلْبكَ التَّوَازُن وَلِرَوْحِكَ السُّلَّام.

أَجَلْ….فَمَا أَجْمَل أَلَا تُرْهِق نَفْسكَ فِي مَعْرِفَة نوايَا النَّاس مِنْ حَوْلكَ بَلْ تَتَخَطَّىٰ الْمُسِيئِينَ لَكَ مِثلمَا تَتَخَطَّىٰ عَتَبَات بَيْتكَ يَوْميًا وَمَا أفْضَل أَنْ تَصْمُت عَنْ سَفيهٍ وَتَتَجَاوَز جَاهِلًا وَتُهْمِل حَاقِدًا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْرهمْ وَمَقَامهمْ لَدَيْكَ، فَلَا تُجَادِل وَلَا تُعَاتِب وَلَا تُبَرِّر وَلَا تُنَاقِش وَلَا تَشْرَح عَنْدَمَا تَجِد مَنْ أَمَامَكَ عَقِيمُ الْفِكْر مُظْلِمُ الْقَلْب أَسُودُ الْمَشَاعِر قَاتِمُ الْفُؤَاد لَا يَنْتَمِي إِلَى عَالَم الْإِنْسَانِيَّة.

فَكِّر جِيدًا قَبْلَ مَنْح الْفُرْصَة الثَّانِيَة فَرُبَّمَا كَانَت بِمَثَابَة رَصَاصَة طَائِشَة فِي قَلْبكَ أَوَدَّت بِحَيَاتكَ عندئذ تَكَوُّن قَدْ قَتَلَت نَفْسكَ بِيَدِيِّكَ؛

فَالْفُرْصَة الثَّانِيَة تَسْتَحِقّهَا أَنْتَ نَعَمْ أَنْتَ لِوَحَّدكَ دُونَ غَيْركَ فَهُنَاكَ الْكَثِير مِن اللَّحْظَاتِ الَّتِي تَجَمعنَا بالآخرِين نَتَّفِق فِي بَعْضِهَا وَنَخْتَلِف فِي الْكَثِيرِ مِنْهَا لِيَتَّضِح لَنَا إِذَا مَا كَانَ ذَاكَ الْوَجْه حَقِيقِيّ أَمْ أَنَّ هُنَاكَ وَجْهًا آخَر يَتَخَفَّىٰ وَرَاءَ قِنَاع أُسود حَالكَ كَظَلَامِ اللَّيْل.

سَتُقلَب الْمَوَازِين فِي كَثِيرٍ مِن الأوقَاتِ عَنْدَمَا تَتَهَاوَىٰ الْأَقْنِعَة وَيُسْدَل السِّتَار عَلَىٰ كَافَّةِ الْأَدْوَارِ لِتَظْهَر خَلْف الكوَالِيس جَمِيع الْوُجُوه بِأَدْوَارهَا الْحَقِيقِيَّة وَسَتَظْهَر أَمَامكَ وُجُوهٌ جَعَلَت مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ سِتَارًا تدَارَت خَلْفهُ سَنوَات وَسَنوَات….

وَفَجْأَة (تُكَشِّف) أَنْيَاب كَانَت تَختَبِىء خَلْفَ الإبتسَامَات وَسَتُذْهَل مِنْ وُقُوفِ أَشْخَاصٍ بِجَانِبكَ لَمْ تَكُن تُدْرِك أَنَّهُمْ الْأَصْدَق والأوفىٰ وَيَظْهَر حِينَهَا الْفَرْق بَيْنَ أَيَادٍ تَحَمِل السِّكِين لِتَطْعَنكَ وَأَيَادٍ أُخْرَىٰ تَحَمِلهَا لِلدِّفَاعِ عَنك؛
بَلْ تَرَىٰ بِعَيْنكَ حَقَائِق النُّفُوس، فَإِمَّا أَنْ تُخْرِج مِنْ جَعْبَتهَا عَسَلًا حُلُو الْمَذَاق أَوْ تذَرِّف بِالسُمِّ عَلَىٰ وَجهِكَ فَيَكُفّ بَصَركَ.

ثُم تُهروِل وتَجْلِس أَعْلَىٰ بُرْجكَ الْعَاجِيّ وَتَنَظُّر لِلْعَالَمِ بكُلِ ثبَاتٍ وتَفْتَح الْبَاب لِتَرَىَ كُلًا عَلىٰ حَقِيقَته وَتَتَأَمَّل الْحَيَاة ثُم تَنَظُّر لَهَا بِدِقَّةٍ مِنْ ثُقْبِ الْإِبْرَة فَتَرَىٰ أَنَّكَ بِالْفِعْل مَنَحَت الْفُرْصَة الثَّانِيَة لِأَشْخَاصٍ دُونَ أَنْ تُدْرِك،

فَتَرَىٰ مَنْ كَانَ يَتَمَنَّىٰ مُشَارَكَتكَ مَا تَفْعَل حَتَّىٰ لَوْ اِكْتَفَىٰ بِتَأَمُّلكَ صَامِتًا وَهُنَاكَ مَنْ كُنْت لَهُ الرَّوْح الَّتِي زُرِعَت بِهِ قَدْ تَكُون شَرِيكهُ الْآنَ أَوْ قَدْ تَكُون ذِكْرَىٰ تَعَبر بِهِ فَيَبْتَسِم بَعْدَ أَنْ يَشْعُر بدِفئٍ غرِيبٍ فِي صَدْرِه.

وَهُنَاكَ مَنْ يَسْتَيْقِظ لِمُحَادَثَتكَ وَإِنَّ كَانَ خَيَالًا وَيَنَام وَهُوَ يُحَادِثكَ وَإِنَّ كَانَ وَهَمًا فهو يَحْفَظ تَفَاصِيلكَ كافّة وَيُمَيِّز وَقْع قَدَمكَ مَهْمَا تَزَاحَمَت الْخُطُوَات، يَحْفَظ تَارِيخ مِيلَاَدكَ وَنَبْرَة صَوْتكَ وَيَعْشَق عُرُوق وَتَجَاعِيد يَدكَ وإِيمَاءاتٌ وَجَّهكَ،
يَنْتَمِي لِأَفْكَاركَ قَبْلَ أَنْ يَعَرِّفهَا، شَخْص أَنْتَ لَهُ حَيَاة كَامِلَة وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لَكَ مُجَرَّد ذِكْرَىٰ.

أَجَلْ….
فَقَدْ نَمْنَح الفُرصة الثانية دُونَ أَنْ نُدْرِك أَوْ لرُبَّمَا اِعْتَقَدنَا لبُرهةٍ أَنَّنَا عَلَىٰ صَوَابٍ، فَهُنَاكَ إنسَان قَدْ عَبَّرنَا بِهِ لِبَرّ الْأَمَان وَقَدْ نَكُون قَدْ عَبَّرْنَا مَعَهُ فَسَقَطْنَا عَلَىٰ رُؤُوسِنَا مِنْ أَعْلَىٰ الْجِبَال حَتَّىٰ سَكّنَا قَاع الْمُحِيط فَذَهَبنَا لِلْعَالَم الْآخِر واصبَحنَا نَسِيًا مَنْسِيَا.

فكِروا مِرارًا وتَكرَارًا أن مَن يَستحِق أن ينَال شَرف الفُرصة الثَانِية قد استنزَف مِن تفكِيرنَا عُقُودًا وأميَالًا، فنفُوسنَا غَالِية وقُلُوبنَا قَد هَرِمَت واصَابهَا الشَيَب وهِي مَازَالت فِي رَيعَانِ شبابِهَا…

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.