الطاعون) قصة قصيرة…. بقلم مصطفي حسن سليم

أختلطت الأنفاس بعبير الموت، الذي بدأ يعتلي وجوه البعض، حين بدأ يحصد الأف الأرواح،

الطاعون
قصة قصيرة…. بقلم مصطفي حسن محمد سليم
أختلطت الأنفاس بعبير الموت، الذي بدأ يعتلي وجوه البعض، حين بدأ يحصد الأف الأرواح، وحل الرعب والفزع مكان الأمان ،وخلت شوارع القاهرة من المارة، لقد ظهر الوباء مرة أخري، وهاهو يحصد رقاب العباد دون هوادة، وبدأ غبار الموت يعتلي صهوته في وجوه الموتي، مثل الغبار الذي يعتلي الازقة والحارات، حين يبدأ الكناسون في عملهم، ولم يبقي سوي عبارة واحدة تتردد علي ألسنة الجميع، متي يرحل ذلك الطاعون…
انه الطاعون، كلمة قالها الطبيب وهو يجمع ادواته في حقيبته المصنوعة من القماش ،هاربا من ذلك المنزل تاركا شبح الموت يحصد رقاب قاطنيه، وهو يسرع بالهروب، ناسيا متناسيا واجبه كطبيب، في البحث عن دواء للمريض الذي يعالجه، اختفي الطبيب من ذلك اليوم ،وسارت شائعات كثيرة عن مكان اختبائه دون الوصول إليه ،حتي الوالي عندما انتشر الخبر في طرقات القاهرة ،بحث عنه كثيرا دون أن يجده، واغلق الوالي باب قصره ،في وجه الجميع خوفا من الوباء، وصار الكل يبحث عن الطبيب ،كأنه هو المنقذ الوحيد لرقاب الجميع من الموت ،الذي بدأ يحصد العديد من البشر دون رحمة أوهوادة….
ساد الهدوء قاعة الوالي، وهو يراقب الثلاث رجال الذين يجلسون امامه ،وبدأ يتفحص في وجه كل منهم في خوف، وكأنه يبحث عن شبح الموت، خلف عيونهم الغائرة التي تتطلع إليه، وعندما اطمئن بعض الشئ ،انهم لايحملون ذلك الوباء الملعون، تكلم في ثقة إلي احدهم قائلا له الم تجدوا ذلك الطبيب بعد؟! صاح احدهم في خوف قائلا له ان البحث عن الشيطان، اسهل بكثير من البحث عن ذلك الطبيب، لقد تبخر في الهواء كأنه لم يكن !!حتي ان منزله اصبح مثل المنزل المهجور ،لايوجد فيه سوي نعيق الغربان، بدأت شبح الابتسامة علي وجه الرجل الذي يجلس بجواره، والتي سرعان ماتحولت لنظرة مليئة بالخوف ،عندما لمح الغضب علي وجه الوالي ،وهو يشير بيده نحوه قائلا له اقسم بأغلظ الأيمان، اذا لم تجد ذلك الرجل المسمي بالطبيب صباح الغد، فلن يكفيني عزلك من منصب رئيس الشرطة ،لقد اصبح الطبيب أسطورة يتناقلها العامة، والدهماء، وكأنه من يملك العصاة السحرية لشفاء الجميع من المرض، شعر الرجل بانقباض بداخل قلبه ،حاول ان ينطق بأي كلمة ولكن عجز لسانه عن التحدث ،وغادر شبح الابتسامة وجه الرجل ،في حين تحدث الرجل الثالث قائلا وهو يلتفت إلي الوالي، سيدي الوالي لقد مات الكثيرين، ليس من الوباء، ولكن معظمهم مات من الخوف من المرض، ومنهم من قام بالانتحار، لقد تحولت ازقة القاهرة إلي مقبرة جماعية كبيرة تعج بجميع انواع الموتي، حاول الوالي ان يتحدث ،ولكن بدأ الهلع يرتسم علي وجهه، عندما سمع الصياح والعويل قادم من الحرملك، إذن لقد زار الموت منزل الوالي، رغم كل الاحتياطيات التي يتخذها، لحماية اسرته من ذلك الوباء اللعين…..
دقت الطبول في جميع انحاء القاهرة، تعلن الابتهاج بأن الوباء قد انتهي، بعد ان حصد أرواح الآلاف من سكان القاهرة، واختلط صوت دقات الطبول بصوت المنادي ،الذي بدأ يعلن عن ظهور الطبيب ،ودعوة الناس لمشاهدة تنفيذ الحكم بإعدامه، توافد سكان القاهرة لمشاهدة الطبيب الهارب، وسرت اشاعات كثيرة بين الجميع بأنه ليس الطبيب، فقد تغيرت ملامحه كثيرا ،في حين لمعت الجوهرة التي يرصع بها الوالي غطاء راسه ،وهو يقف ويشير بيده نحو الطبيب قائلا للعامة، باسمي وباسم سكان القاهرة، نحكم اليوم علي الطبيب الهارب بالإعدام بقطع رقبته، لقد هرب من اداء مهام واجبه، واختبا هربا من المرض، وقد صنع دواء له ولي اسرته الصغيرة حسب اعترافاته، تاركا الموت يحصد الأف الأرواح، دون مراعاة واجبه او ضميره المهني كطبيب، لقد حصد الموت روح زوجتي ايضا ،ولذلك قررنا موته، عم الهرج والمرج بين الجميع عند سماع الحكم ، مابين مؤيد ومعارض، ولكن ساد الفرح قلوب الكثيرين ،حين سقطت رأس الطبيب علي الأرض، لقد شفي ذلك المشهد، غليل قلوب الكثيرين من العامة، معلنين نهاية ذلك الوباء اللعين ،وانطواء تلك الصفحة السوداء من تاريخ القاهرة .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.