الطلاق العاطفي

 

الطلاق العاطفى

بقلم / سمية طارق استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري

 

تعُد الأسرة عماد المجتمع البشري وأساس الاستقرار النفسي للإنسان

قال تعالى ( وَمِنْ آيَاتهِ أنْ خَلقَ لكُم مِّنْ أنفسِكُمْ أزْوَا جا لتسْكُنُوا إِليْها ) الروم :14

من هنا كانت المحافظة على الترابط الأسري واستمرار عقدة النكاح من الموضوعات المهمة التي أمرنا بها الله سبحانه وتعالى ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) البقرة : 481

يعد الطلاق العاطفي حالة مرضية تسري بذور جراثيمها في جسد الحياة الزوجية وروحها ببطء شديد في غالب الاحيان ، حتى تتمكن من اركانها فيلتفت الزوجان بعد غفلة ليشهدا العش الزوجي بلا ضحكات . صمت خانق يصيب المشاعر في فؤادها ويتمدد في شرايين التفاعلات الزوجية  ليصبح بركان متأجج ينتظر خرقا ينفجر من خلاله في اية لحظة. فاذا فقدت الحياة الزوجية الكلمات العذبة فليس ثمة الا التصحر والجفاف الذي يسهم في استنبات شجرة الطلاق العاطفي الخبيثة اذ يضعف الترابط بالتدريج ثم يسقط فجاءة، وخلال هذه المرحلة لا يستطيع احد ان يصارح الاخر ولا ان يبوح له بمكنونه خشية اتخاذ قرار الانفصال الذي لن يكون غالبا في صالح اي منهما ولا في صالح الاولاد.

 

فالزواج رباط  مقدس بين رجل وامرأة وهو رباط شرعه الله سبحانه وتعالى ليستمر النوع البشري وتتم به خلافة الله على الارض ، والعلاقة الزوجية علاقة انسجام ووئام لأنها اربطة بين قلبين وواصلة بين جسدين وهي من اسمى العلاقات بين البشر فعليها يقوم بناء المجتمع بأكمله وهي علاقة مستمرة ومتصلة لها متطلبات متبادلة  تقضي الاشباع المتزن عاطفيا وجنسيا واقتصاديا وبقدر عمق هذه العلاقة ومتانتها تكون مشكلاتها اعمق اثراً واكثر تعقيدا، ولا يحصل السكون والاطمئنان في الحياة الزوجية الا اذا كانت العلاقة بين الزوجين في اطار المودة والرحمة .

 

ويعد الزواج السعيد أهم مقومات رضا الفرد عن حياته، إلا أن الحياة الزوجية في معظم الأسر تختبر العديد من الأزمات ولا سيما في المجتمعات المعاصرة التي تحاول التعايش مع سرعة التطور والتحديث.

والحياة الزوجية لا تخلو من الكدر ومن منغصات الحياة ، فقد يواجه الزوجان الكثير من التحديات التي هي في الاساس نتاج لعدم الانسجام والتنافر فيتكدر الصفو وتسوء العلاقة بين الزوجين ، ومن هذه المنغصات هي اصابة الزوجين بالطلاق العاطفي وان نمو فيروس الطلاق العاطفي لا يكون فجاءة بل تهبه البيئة المناسبة لنموه جواً فيه كل الخصائص التي يرغبها من تجاهل لوجوده وحيل نفسية يهرب بها صاحبها من الواقع ودفاع عن المواقف العاطفية الخاطئة دون محاولة لاستصلاحها، وهو خواء المشاعر وينعكس ذلك على جميع التفاعلات داخل الاسرة وهو حالة من انعدام الحب  والتعاطف يعيش فيها الزوجين منفردين عن بعضهما البعض رغم وجودهما في منزل واحد ولكل منهما عالمه الخاص لدرجة يصبح حضور أو  غياب احدهما عن البيت لا يعني للأخر الكثير وهو الفقدان التدريجي للشعور بالمودة والمحبة  والرغبة بين الزوجين رغم كونهما لا يزلان تحت سقف واحد، وهو الترك والتباعد وهو ضد الوصل والتهاجر التقاطع والامتناع عن التواصل وترك الرجل لزوجته وعدم الاهتمام بها وفقد المشاعر العاطفية بينه وبين زوجته بدرجات ، ومشكلة الطلاق العاطفي برزت في الاسر الجديدة التي افرزتها الحياة المعاصرة في ظل تنافس التقنيات والاعمال الرسمية والاعباء الحياتية والطموحات الفردية على وقت الزوجين أو  احدهما فلم يعد في كثير من الاحيان ما يكفي من الوقت للسكن الزوجي ،  فتنشا الفجوة ويقع التباعد العاطفي وان جمعهما بيت واحد لكنه يتطور إلى ان يصبح في شكل طلاق وان لم يقع الطلاق الشرعي.

 

ومن هنا تظهر  أهمية هذا الموضوع في تحديده لماهية الطلاق العاطفي، وآثاره على الحياة للزوجين من جميع جوانبها لأنه يعمل على تفكيك الأسرة وانهيارها مستقبلا متى ما اصابها.

كما تظهر اهمية متغير الطلاق العاطفي وانعكاساته على الاسرة،

لان الاسرة هي الخلية الاولى للحياة الاجتماعية وهي وحدة التوجيه التي تطبع شخصية الفرد بطباعها.

ويسهم الطلاق العاطفي في حدوث تصدع واضطراب  العلاقة الزوجية لذا فان معرفته ضرورية جدا لفهمه وتأثيره على الزوجين وذلك لتعديل مسار حياتهما.

كما يعد الاهتمام بد ارسة المشكلات الزوجية اتجاها عالميا حديثا إذ ارتبط بالمجتمعات المعاصرة التي اخذت بأسباب التنمية والتحديث وبسبب ارتفاع معدلات الطلاق بصورة عامة والطلاق العاطفي بصورة خاصة في العالم مما جعل الخلافات الزوجية موضوعا مهما في مجال علم النفس ويعتبرالطلاق العاطفي مصدراً رئيسيا لمعاناة الزوجين مما ينعكس على جميع افراد الأسرة بشكل سلبي ، ولاشك فدراسته والوقوف عنده والاستعانة بالمرشدين النفسيين ولاسيما في مجال الإرشاد الزوجي يؤدي إلى تقليصه والحد منه .

 

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.