الطوفانُ بقلم الشاعر خلف دلف الحديثي
الطوفانُ بقلم الشاعر خلف دلف الحديثي
منْ أنتَ يا أنتَ أنتَ النارُ والغضبُ
وأنتَ فوقَ الذي ما قيلَ أو كتبوا
وأنتَ وحدكَ تحتَ العرشِ مجلسُهُ
وأنتَ كلّ دمٍ في الأرضِ يلتهبُ
وأنتَ ماردُ سجّيلٍ بقبّتهِ
وكلّهم لو _ دنت _ في اللحظةِ الحَطبُ
وأنتَ وحدكَ إعصارٌ اذا عصفوا
وأنتَ في الزحْفِ طوفانٌ ومُنقلبُ
وأنتَ نهرُ سعيرٍ فارَ منبجساً
به ينامُ الرّدى والويلُ والعَطبُ
أنتَ الأشدّ ومهما حولكَ احتشدوا
فلنْ تُطالَ وتلوي السّاعدَ النوبُ
أشعلتَ ناراً وأبكيتَ الطغاة دماً
والعُربُ خلفَ غبارِ الصمْتِ تحتجبُ
فاشعلْ ثرى الأرضِ واسحقْ كلّ شائبةٍ
ودُسْ بكلّ عنادٍ رأسَ مَنْ هربوا
وكنْ كما أنتَ لا تلويكَ صائحة
أنتَ الأشدّ وقوفاً حينَ تحتربُ
تبقى مهاباً وثغرُ الأرضِ صاحَ قفوا
أنتمْ لها الألقُ الوضّاءُ والشهُبُ
أليومَ يومُكَ وادخلْ أيّ مشتجرٍ
فقدْ تناختْ لها الشبّانُ والشُّيُبُ
أوقدْ فإنّ فمَ البركانَ حاقَ بهمْ
فيكم يدوخُ ارتجاحُ الويلِ والغلبُ
أنتمْ لهذا المدى لو حرّة صرَختْ
لها انطلقتم خفافا لو علا الرهَبُ
لهم أعدّوا بما اسطاعَتْ عزائمُكمْ
فليسَ فينا نبيّ فيهِ نَعْتصِبُ
ناداهمُ الموتُ ساروا تحتَ غيمتِهِ
وقد أعدّوا الذي فوقَ الذي يَجبُ
ساروا على الجمرِ واجتازوا صواعقهُ
بالمعجزاتِ مشوا للنصرِ قدْ دأبوا
ما كانَ إلا جناحُ الرّيحِ مركبُهم
لنصرةِ القدسِ ما لانوا وما تعِبوا
ساروا وفيهم رأى التاريخَ ملحمة
بهم تَعانقَ حبّ الموتِ والغلَبُ
ناداهمُ الموْتُ فاصطفوا سواسية
وزنبقوا العمرَ بالنسرينِ وانتصبوا
قد أطلقوا منْ جحيمِ اليأسِ قافلة
منَ الرّجالِ وتحكي وحدَها الحقبُ
فأوجَعوا الغاصبَ الزمّيت وانحدروا
مثلَ الشواهينِ ما عاقتهمُ القبَبُ
شدّوا الحديدَ وطاروا يا رجولتهم
وساوموا الموتَ فاختالوا وما ارتعبوا
فأينعَتْ في نزيفِ الدّمّ غوطتنا
فكبّرَ الرّملُ واشتاقتْ له النّقبُ
طاروا عطاشى فارضي بعدُ ما عقمَتْ
منْ أينَ جاءوا ودانَتْ تحتهم هُضبُ
العاقدونَ لأجلِ النصر همّتَهمْ
والسالكونَ طريقا أمرُهُ عَجبُ
صالَ الرجالُ وجذعُ الأرضِ قامتهم
ما حدّدتهُمْ سياجاتٌ ولا لعَبُ
إذْ لقنوا الخصَمَ درساً ليسَ يَنكرُهُ
كيفَ الطريقُ إلى العلياءِ يُصطحبُ
وكيفَ يرجعُ حقّ ظنّ سارقهُ
أنّ الرجالَ سلتْ واستفحلَ الكذبُ
عدْنا وعادَتْ لهذي الدّارِ خُضرتَها
وعادَ للبابِ مفتاحٌ لهُ ارتقبوا
إنّا خُلِقنا وعدْنا منْ جوى عدمٍ
وعادَ للجسمِ منْ رمضائهِ العَصبُ
قلْ للجبانِ رجعْنا إنّ موعدَنا
أرضُ الخليلِ إلى نابلسَ ننتسِبُ
ناداهمُ الموت فاجتازوا سواترَهُ
وصدّقوا القولَ بالفعلِ الذي رغبوا
شبابُنا في زحامِ النارِ قد عبروا
وحطّموا الهيكلَ المزعومَ وانسحبوا
الراكبونَ كما شاءوا مصارعَهم
فسطروا وحدَهم ما ليسَ ينكتبُ
سطرْ كما شئْتَ يا تشرينُ صولتَهم
أولاءِ أهلي همُ للمرتقى وَثبوا
أوقدْ دُجاها وأشعلْ بالمدى لهباً
وارسمْ طريقكَ للثوّارِ يا غلبُ
قلها فقدْ زحفَتْ في عزمِها مُهجُ
حتى يطوّحَ فينا الشكّ والرّيبُ
قلها عزوماً ولا تقلقْ لقارعةٍ
نارُ الدّماءِ ومنها الهولُ يرتعبُ
يا غزة النارِ هذا الصمتُ مزّقني
فأقتَلُ الحُزْنِ ما فاضتْ بهِ الجُنُبُ
وأقتَلُ الحزنِ أنّ العربَ في صَددٍ
عمّا يُصارُ ولا يُدمى لهمْ هدُبُ
يا مَنْ خطاكم بعزمِ اللهِ قد جمحَتْ
لم يكذبِ السّيفُ لا بلْ تكذبُ الكُتبُ
لا ترْجُوَنَّ منَ التاريخِِ دورتَهُ
فأكذبُ الصّدقِ لمّا تصدقِ العربُ
ماتَ الرشيدُ وطاحَتْ بَعْدُ هيبتِهِ
واعتلّ معتصمُ واسودّتِ الحُجُبُ
أينَ الرّجالُ ومَنْ يُعنى بمشكلتي
ستّونَ قرنا وفينا الموْتُ يَحْتطِبُ
بعضُ الحكوماتِ يُزنى في محارمِها
وهمْ سكوتٌ وما ثاروا وما وَثبوا
فلا ببغدادَ مَنْ هزّتهُ نخوتهُ
ولا عليٌّ على الميمونِ ينتصبُ
ولا بصنعاءَ مَنْ صاحَتْ عروبتهُ
ولا تعنّتْ إلى أبوابنا حلبُ
ولا لمصرَ أرى الخرطومَ سائرة
ولا الجزائرُ فيما صارَ تلتهبُ
ولا بعمّانَ قد سارَتْ مندّدَة
هذي الحشودُ ولا قدْ هزّهمْ نَسبُ
وصوتُ تونسَ مخصيٌّ بغصّتِهِ
ما قالَ جئنا وإنّا السادة النجُبُ
ولا الرباطُ ومنها قالَ قائلها
إنّا معَ السّلم والتطبيعِ ننقلبُ
أينَ الخليجُ الذي منهمْ بليتنا
همُ اليهودُ وإنْ صلّوا وإنْ تعبوا
فلا سرايا بني قومي قد انطلقتْ
فهمْ إلى الكفرِ مَنْ مالوا ومَنْ ذهبوا
وليس فينا أرى المأمونَ منطلقاً
يسعى لمَنْ منهُ كحلَ الأرضِ قد سلبوا
هذي الجيوشُ بماذا سوفَ تنفعُكمْ
فقد غزينا وفينا ضاقتِ الرّحَبُ
لمّ الصواريخُ تجثوا في مخابئِها
والطائراتُ لقوتِ الشعْبِ تغتصِبُ
(يا غارة اللهِ جدّي السيرَ مُسرعة)
(فقدْ طما الخطبُ حتى غاصَتِ الرُّكبُ)
فأينَ أنتمْ رجالُ الغيبِ نخوتكمْ
سودُ الدّواهي تدوّي والمدى لهبُ
ماتوا جميعاً فأشعلْ فوقهم حمماً
منْ تحتهم حممٌ بالويلِ تنسكبُ
فليسمعِ الكلّ لنْ تجدي دروعُكُمُ
إنّ الرجالِ لرأبِ الصدْعِ قد ندِبوا
أمّا النهارُ لآتٍ دونما كذبٍ
وليسَ يُجدي بهمْ مِنْ ويلِنا هرَبُ
يا قمّة العارِ هذا الشّجبُ نشجبُهُ
فأنتمُ العلة الشوْهاءُ والجرَبُ
لا باركَ اللهُ في الأعرابِ أجمعِها
مِنْ مشرقِ العرْبِ حتى الغرْبِ لا عَتبُ