العائدون..قصص حياة مُسجلي خطر تابوا عن الجريمة

كتب: مها البديني

عادوا، كصفحة بيضاء، بعيداً عن نشوة الإجرام التي أدمنوها، تعافوا و أصروا على الإقلاع منها، كسيجارة مقيتة، مثل ما يُقرر المُدمن أن يتعافي من أثر نقرات الإدمان في الدم، رويداً حتى عادوا لذواتهم بعد أن قضوا فترات الإصلاح والتهذيب في السجن، خرجوا للحياة مرة أخرى ولكن بخبرات في التعامل مع الآخرين، المُجتمع ينبذهم معظم الأوقات، ولكنهم يُصروا على إصلاح أنفسهم ، الناس لا تغفر أحياناً، ولكن الله يغفر كل شىء.

“سجيل” من فرض السيطرة وحروب الشوارع للتوبة إلى الله

نهب وتعدي وفرض سيطرة ، إرهاب ولكن بأسلوب حرب الشوارع، حرب عصابات مُصغرة، من يربح يصبح زعيم المنطقة، أما دون ذلك فهو تابع للسيد، كانت هذه أحدى كلمات “مُسجلي الخطر” العائدون من الجريمة ولسان حالهم يقول “توبنا إلى الله”.

يتحدث (سجيل) إسم مُستعار- مُسجل خطر سابقاً- والبالغ من العمر 37 عاماً، من سكان منطقة العمرانية بالجيزة ، يقول” نعم الناس لا تغفر لأحد، ولكننا نحاول التعامل مع المجتمع، ونواجه كل شىء، بطريقتنا الخاصة دون أن نؤذي أحداً ولكن لو أحد إعتدى علينا ندافع عن أنفسنا أيضاً، خرجت من السجن ولم أجد عطفاً من أحد سوى المُقربين مني لأن المجتمع لا يرحم ذوي السوابق الجنائية، في عالمك الجديد بخارج السجن، لابد من أن يشعر من أمامك بإحكامك للأمور، إذا شعر من أمامك بضعفك سوف يأكلك مثل ما يأكل السبع أبناءه عندما يجوع”.

يضيف (سجيل) أن دخوله السجن كان بسبب الإتجار بالمخدرات والبلطجة، وأن لديه قضايا محاولات قتل مواطنيين كان تبريره الوحيد فيها محاولة الدفاع عن النفس من مجرمين أو أشخاص آخرين في وقت حدوث جريمة ما، وبعد خروجه من السجن قرر تغير مسار حياته بالعمل كبائع متجول على عربة طعام.

وعن السجن يقول(سجيل)، الجريمة الكبرى لأي إنسان هو أن يضيع وقته في حياة خاطئة، ولكن بعد أن عدلت من مسار حياتي أصبحت الأمور أفضل لي ولأسرتي وأبنائي، و عملي كبائع متجول يفرض علي السيطرة على المكان ولكن بأسلوب خاص دون أن أذي أحداً.

يحكي (سجيل) عن حياته الجديدة بعد خروجه من السجن قائلاً، أنه يتعامل بفلسفة الإجرام ولكن بأسلوب الدفاع عن النفس دون أن يأذي أحداً وأنه لا يرفض الظلم ولا يقبل أن يتعدى أحد على الآخر، أضف إلى أن قدرته الجسدية تمكنه من الدخول في الشجار من أجل حل بعض الأمور في الشارع قبل تفاقمها، يضيف، أنه يساعد بعض الجنائيين -ممن تمت إدانتهم في السرقة أو تجارة المخدرات- بعد توبتهم في العمل معه على عربة الطعام، معللاً ذلك لصعوبة تقبل المجتمع للجنائيين بعد خروجهم من السجن ورفض التعامل معهم وتشغيلهم خوفاً منهم حتى بعد توبتهم.

“محسن”: الجريمة الحقيقية في ضياع الوقت والحياة

محمد محسن، أربعيني، من الحوامدية يأتي إلى مدينة الجيزة ذهاباً وإياباً لكي يواظب على عمله، هو يزًن الأمور بحذافيرها، تجاربه السابقة في عالم الإجرام أكدت له أن ” الجريمة لا تُفيد” فقد وقتاً من حياته في السجن، جنى على نفسه بيده، ودفع الحساب وتعلم، وخرج إلى الحياة مُجدداً ولكن بأسلوب وطريقة مختلفة، يقول ” ظروف الحياة صعبة، أريد الحفاظ على لقمة عيشي بالحلال خالصاً لوجه الله تعالى،  بالرغم من أن الفقر مُهلك، فإنني أبحث عن زوجة مُخلصة، أريد أسرة أهتم بها وتهتم بي فأنا  أعيش بمفردي، منذ وقت طويل، نعم أنا في بيت العائلة، ولكن في النهاية أشعر بالوحدة”.

يتذكر(محسن) أيامه الماضية وكيف له أن عاد وتاب وأصلح من نفسه بعد أن دفع الحساب غالياً، وعن حياته السابقة يتحدث قائلاً” تعرفت على أحد الأشخاص وأصبحت ضمن المجموعة الإجرامية، كان هدفهم الإتجار بالمخدرات في المنطقة، كنت صغيراً حينها ولم يكن لدي أي تجارب، وأحد أصدقائي عرض عليا الفكرة وأن هناك فائدة وعائد مالي كبير من العمل مع تلك المجموعات التي تهدف للإتجار بالمخدرات، وقُبض علي أثناء ترويج المُخدر في المنطقة سقطت في الفخ ودفعت الثمن غالياً”.

يصف (محسن) أصدقاء السوء أنهم أحد أهم العوامل على إفساد أقرانهم، وأن العدو اللدود ليسوا المجرمين من الجهلة و البسطاء ، بل الأذكياء الفاسدون والذين ستجدهم من حولك، ويستطرد قائلاً ” قُبض علي في إحدى المرات أثناء الترويج للمخدر وحُكم علي بالسجن3 سنوات، وهذا ما جنيته على نفسي، وتعرفت على قصص الكثيرون داخل محبسي ومنهم من عاد ومنهم من لم يعود إلى طريق الرشد، ومن الداخل السجن حفظت أجزاء من القرآن الكريم، وعدت إلى طريق الصلاح وقررت أنني لن أعود لهذه الحياة مُجدداً وأنني سأعيش حياتي مع الله، دون أخطاء تؤدي إلى محبسي، أو تضر بالآخرين، ولكن لم أجد عملاً لأقتات منه، وبحثت كثيراً حتي وفر لي أحدهم العمل على عربة الطعام مُتجولة.

“حسن”: تجاوزت فترة المراقبة الأمنية ولكن المجتمع لا يرحم

يحكي حسن زينهم البالغ من العمر 45 عاما، أحد العاملين على عربة الطعام المُتجولة، أنه لا يعتدي على أحد سوى من يعتدي عليه، هذه كانت بداية طريقة في عالم الجريمة من أجل المحاربة في الإستمرارعلى لقمة العيش خصوصاً مع ظروف الفقر وإحساسك بالمطاردة من الحكومة، ويقول أن سبب دخوله السجن هو البلطجة وفرض السيطرة في الشارع وإستخدام السلاح الأبيض، والتي كان يستخدمها للشر فقط، الآن تحول الأمر للدفاع عن النفس وقت الحاجة إلى ذلك، ولكن (حسن) يقوم بالسيطرة على غضبه حتى لا يتطاير الشر و يعود إلى طريق الشيطان مُجدداً، فهو لا يريد حياة الجريمة والبلطجة، بل يريد أن يعيش في سلام، وآكل الحلال، دون سوء.

“كانت هناك مدة مراقبة وتجاوزت تلك المدة أمناء الشرطة والضباط يعرفونني جيداً وقد رجعت إلى طريق الصلاح وهم يتركوني أنا وبعض مسجلي الخطر التائبين للإسترزاق من عملنا في التجول بعربة الطعام” يؤكد حسن ذلك بينما حاولنا التصوير معه ومع زملائه رفض ذلك قائلاً” أنا أبدأ صفحة جديدة مع نفسي ولا أريد أن تظهر صورتي في الصحف حفاظاً على مشاعر أخوتي، فالمجتمع لايرحم “.

يتذكر (حسن) أحد المواقف قائلا، أحدهم قام بإستفزازي فقررت أن أُدافع عن نفسي بتهديده بالسلاح الأبيض بعد أن هددني بالقتل، دخلت السجن أكثر من مرة بسبب الشروع في القتل، وكانت وظيفتي “ناضورجي” والدفاع عن الشخص الذي أعمل معه، وعن تجربته داخل السجن يقول ” كان في بعض التجاوزات من بعض المساجين، بداخل السجن حياة أخرى، هي حياة للمجرمين بل أن البعض يستغلها لتكوين عصابات للخروج والعمل مرة أخرى في الإجرام، أما الآن توبت وتعلمت، دروس الحياة قاسية”.

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.