العالم الآخر.. بقلم/مصطفى حسن سليم.
العالم الآخر حيث يقبع الشر في صورته الازلية، ينتظر أن يخطف روح جديدة من بين البشر، ويغوص بداخلها ليعبث بها من جديد، حتى يسكنها عالم كبير من الغموض والأوهام، دون وجود توضيح أو تفسير لأي شيء…
هل تؤمن بوجود الأرواح؟ أرجوك أن تجاوبني بكل صراحة، وقف الدكتور عامر الدمنهوري الطبيب النفسي الشهير وهو يضع الكتاب الذي يحمله في يده على سطح المكتب، ثم أطفأ السيجارة المشتعلة التي قاربت على الانتهاء بعنف في منفضة السجائر، وهو يقول للرجل الذي يجلس أمامه في حدة أعتقد أنا آخر رجل في هذا العالم يستطيع الإجابة على هذا السؤال، لأن ما حدث معي شيء لا يصدقه عقل، ورغم أن ما حدث لي هو حقيقة، إلا أنني حتى الآن مازالت لا أصدقه، ربما تجد في قصتي إجابة لسؤالك، ورغم وعدي لزوجتي بعدم التحدث في ذلك الموضوع مع أي إنسان، إلا أنني سأخالف ذلك الوعد، لا أعرف لماذا ربما رغبة في إيجاد صوت لعقل آخر أتحدث معه قد يفسر لي ما مررت به من معاناة، هل قرأت من قبل عن أسطورة يابانية أسمها فتاة الحفرة، والتي تحكي عن روح تعيش بالشقوق الموجودة بجدران المنزل، ومن يقبل اللعب معها، فإنها تحمله إلى العالم الآخر، ما حدث معي يشبه هذه الأسطورة بعض الشيء، كانت البداية عندما ورثت قطعة أرض في منطقة سكنية تقع على أطراف القاهرة، ولكنها منطقة نائية بعض الشيء، فكرت كثيراً في بيعها ولكن مع إلحاح زوجتي في بناء مسكن لنا والهروب من زحمة وضوضاء القاهرة، إلى هدوء المكان جديد جعلني أقبل ذلك، وقد أقنعت احدى صديقاتها بشراء قطعة أرض بجوارها والانتقال معها للسكن الجديد، وبعد عدة شهور تم بناء المنزل وقبل الانتقال إليه بيوم واحد شب فيه حريق مجهول المصدر قضى على معظم الاثاث والتشطيبات التي صرفنا فيها مبلغ كبير من الأموال، ولكن ذلك لم يثنيني عن الانتقال لهذا المنزل رغم ما حدث له، وتم العمل فيه مرة أخرى من جديد في زمن قياسي، وقد فوجئت بزيارة المقاول المكلف بالعمل في المنزل وتحذيره لي من وجود أرواح غريبة تسكن بداخل جدران هذا المنزل، قد قامت بالظهور عدة مرات للعمال وهم يعملون في المنزل، مما أثار نوبة من الضحك بداخلي والسخرية، وأنا احدثه وأسخر منه ومن أقواله الغريبة هذه، وتم الانتقال إلى المنزل بعد الانتهاء من العمل بعدة أيام، ولا أكذب عليك لقد شعرت بحالة قشعريرة غريبة وعدم راحة عندما دلفت داخل ذلك المنزل في أول ليلة، ربما كان ذلك من أثر كلمات المقاول عن وجود أرواح غريبة تحتل جدران المنزل، مر اليوم الأول سريعا على وجودي أنا وزوجتي وأبنتي الصغيرة، كان طبيعي جداً بدون وجود أي عوارض غير طبيعية تدعو للقلق، مما جعلني أقص لزوجتي ما قاله لي ذلك المقاول من قبل عن وجود هذه الأرواح المخيفة، وقد كان هذا خطأ فادح مني لقد شعرت زوجتي بالرعب الشديد وهي تحتضن ابنتي الصغيرة، وترفض أن تتركها تنام بمفردها في غرفتها، وربما كان قولي هذا قد ترك أثر في أركان المكان كله، وقام باستدعاء هذه الأرواح الشريرة، فقد بدأت أشياء غريبة تحدث وتظهر في المنزل بدون سابق إنذار، كان أول هذه الاحداث عندما كنت أراجع بعض الابحاث العلمية في غرفة المكتب، وقد فوجئت بدخول زوجتي إلى الغرفة مسرعة وجسدها يرتجف في عنف وهي تقول لي أنها شعرت بحركة غريبة داخل الحمام، واشتعال السخان في الحمام بمفرده دون تدخل منها، فقمت معها وذهبت إلى الحمام وقد وجدت كل شيء عادي جداً، والسخان مغلق وانا اقول لها في سخرية يبدو أن أعصابك مرهقة يا عزيزتي، وعندما عدت إلى غرفة المكتب وجدت الابحاث التي كنت اراجعها قد اختفت من على سطح المكتب الذي كان قريب جدا من النافذة، وقد اقتربت من النافذة وأنا أنظر إلى الخارج للبحث عنها، ولكني لم أجد أي شيء وأنا في غاية الضيق لأهمية هذه الابحاث العلمية النادرة، والتي استطعت الحصول على نسخة منها بصعوبة شديدة، وعندما التفت للخروج من غرفة المكتب وجدت النور قد انطفأ وعم الظلام الشديد في المكان، وشعرت بلفحة هواء ساخنة تمر من أمامي، وصوت مواء لمجموعة من القطط الصغيرة يتعالى في شدة ويجتاح المكان، تمالكت أعصابي وأنا أخرج ولاعتي من جيب الروب الذي كنت أرتديه وأشعلها للبحث عن الباب للخروج من الغرفة، فوجدت المكان كله تحول إلى جدران محروقة، والباب قد اختفى، وهواء شديد يطفئ نيران الولاعة، حاولت اشعالها مرة أخرى فشعرت بشيء قوي يضربني في يدي، والولاعة تسقط مني في ذلك الظلام الدامس، وقمت بقراءة بعض الآيات القرآنية وانا اغمض عيني من الخوف، وشعرت بشعاع نور يغمر عيني وانا أفتح عيني وقد عاد كل شيء لطبيعته مرة أخرى، هنا فقط شعرت بالفعل أن هناك شيء غريب يدور بداخل جدران هذا المكان، واحتفظت بذلك الأمر الذي حدث لي دون ابلاغ زوجتي بذلك، ومحاولة البحث عن حقيقة هذه الأرض، ربما ما كانت تحويه في بطنها يحمل اجابة لسؤالي، وفي مساء اليوم الثاني كنت جالس أنا وزوجتي نشاهد التلفاز، وقد ذهبت زوجتي للاطمئنان على ابنتي الصغيرة التي تركتها نائمة في غرفتنا، وعندما اقتربت من الغرفة سمعت مجموعة من الاصوات تتحدث مع البنت الصغيرة، وعندما حاولت فتح الباب شعرت بيد تجذب الباب من الداخل بقوة لتمنعها من فتح الغرفة، فصرخت صرخة مدوية مما جعلني اندفع نحوها بسرعة، وحاولت معها فتح الباب بقوة حتى انفتح بالفعل، وعندما دخلنا الغرفة كان كل شيء هادئ وفي مكانه، وكانت البنت الصغيرة تضحك وتشير إلى الدولاب الكبير في الغرفة، مما جعلني اندفع نحوه وأفتحه بسرعة شديدة لمشاهدة ماذا يوجد بداخله، ولم أجد أي شيء بداخله غير عادي، لكني وجدت الملابس قد تناثرت في فوضي شديدة داخل الدولاب، وعندما أالتفت إلى زوجتي وجدتها تحتضن البنت الصغيرة في شدة والرعب يبدو على ملامحها، وهي تبكي وتقول لي يجب أن نغادر هذا المكان على الفور، طلبت منها الهدوء حتى لا تثير رعب البنت، وقلت لها أني سأقوم بإحضار أحد الروحانيين لمعرفة حقيقة ما يدور في المكان، وتركتها وذهبت إلى غرفة المكتب لمحاولة الهدوء والتفكير بعمق حتى أستطيع تحديد ما سأفعله، وعندما دخلت غرفة المكتب وجدت الابحاث التي اختفت موضوعة على سطح المكتب بطريقة منظمة، وشعرت برجفة تسري في أوصالي من ذلك الأمر، وفي الصباح ذهبت إلى أحد الجيران الذين يسكنون في المنطقة منذ زمن بعيد لسؤاله عن حقيقة الأرض، بدأ القلق على وجه ذلك الرجل العجوز وهو يتردد في اجابتي عن سؤالي، وبعد الحاح شديد مني قال لي أن هذه الأرض التي بنينا فوقها منزلنا كانت قديما منطقة مقابر، وقد تم ازالتها، وأن من كان يمر في هذا المكان من قبل أثناء الليل تحدث له أشياء غريبة جداً ومرعبة، وقد كان سبب عدم افصاحه لي بذلك هو عدم تصديقي له في ذلك، وتركت الرجل العجوز وأنا أسرع نحو المنزل خوفا على أسرتي من الذي سمعته منه، وعندما دخلت المنزل أسرعت إلى المطبخ حيث كانت زوجتي تقوم بطهي الطعام، وبسؤالها عن البنت قالت لي أنها كانت تلعب خلفها وهي تطهو الطعام، وقمنا بالبحث عنها في أرجاء المنزل دون جدوى، واخذت زوجتي تبكي وتصرخ وتتهمني بأنني أنا السبب في كل ما يحدث لنا، وهذه الأرض الملعونة، ولم أشأ أن اصارحها بما عرفته من معلومات عن حقيقة الأرض، مر اليوم الأول على اختفاء البنت ثقيل جداً، وشعرنا أنا وزوجتي بالعجز الشديد، وفي ثاني يوم سمعنا صوت البنت يبكي في أحد الغرف، وأسرعنا إليها وجدنا البنت بالفعل، ولكن في عيونها كان يوجد وهج غريب جداً، عندما تنظر إليها تشعر أن روح غريبة قد سكنتها من العالم الآخر، أحيانا تجدها هادئة، وأحيانا تصرخ بلا مبرر صرخات مرعبة، وفي بعض الأحيان تتغير ملامح وجهها بشكل مخيف، مرت أيام قليلة على ظهورها ثم اختفت مرة أخرى بدون سابق إنذار، حتى هذا الوقت الذي أحدثك فيه، ولم تتحمل زوجتي كثيراً موضوع اختفائها، فقامت بالإنتحار وتركتني أنتظرها في ذلك المنزل الملعون وحدي، حتى يحين موعد آخر لظهورها، هذه هي كل قصتي التي ربما تجيب عن سؤالك، صدقني يا رجل أنا الإنسان الوحيد في هذا العالم الذي يؤمن بوجود الأرواح، وأن هناك عالم آخر غير عالمنا موجود بالفعل قد سكنته ابنتي الصغيرة.