العزيمةُ و الإرادةُ. بقلم الأستاذ عليّ خضر طراديّة. لبنان.

العزيمةُ و الإرادةُ.
بقلم الأستاذ عليّ خضر طراديّة.
لبنان.

دموعُ أحزانِنا نسكُبُها على جذورِ أمانينا، لتَسقيَها وتنبُتَ في يومٍ منَ الأيّامِ، و هذه الصَّرخاتِ المزركشةِ بالألمِ، ما هي إلّا كمُنبِّهٍ لنا، لنخرجَ عن صمتِنا، و نودّعَ كهفَنا، منطلقينَ نحوَ عالمٍ جديدٍ، بُغيةَ التّخلُّصِ من الشَّيءٍ الَّذي جعلنا نتيهُ بين دروبِ الحياةِ…
لانعرف اليأس
هكذا نحنُ قومٌ لا نعرفُ اليأسَ ولا الإحباطَ، نصنعُ منَ الشَّيءِ القبيحِ أشياءً جميلةً، نلَوِّنُ أحزاننا بأزهى الألوانِ، لتكون لوحةً فنيةً تُدهِشُ النّاظرين. نحنُ قومٌ نختلفُ عن بقيةِ الشُّعوبِ، هكذا تعوَّدنا منذ صِغرِنا، أنَّ الحياةَ مستمرِّةٌ،.

لا تقفُ لوقوفِ أحدٍ، وَ الزَّمنُ يمُرُّ سريعاً، دون أن ينتظرَ النّائمينَ. تعلّمنا مُنذُ صغرِنا أن نسيرَ معَ الزَّمنِ، حُلوِهِ وَ مُرِّهِ، وأن لا نعطي فرصةً لأيِّ شيءٍ يحاولُ تعكيرَ صفوَ طموحاتِنا في الحياةِ…

فَلطالما عصفت بنا الرِّياحُ بكلِّ قساوتِها، لكنَّنا كنّا كجذورِ الأرزِ صامدينَ، فمهما تهمّشت أغصانُنا، ومهما تطايرت أوراقُنا، فسننهضُ براعماً من الجذورِ، لنحقِّقَ وجودَنا في ربيعِ الحياة.ِ… لقد تخطّينا بعزيمتِنا الصَّلبةِ وإرادتِنا الجامحةِ، كلَّ صِعابِ الحياةِ، وتركنا لمن خلفنا آيةً تشهدُ على تاريخِنا الحافلِ بالإنتصاراتِ الّتي بنينا بها مجداً تَليداً، تفتخرُ بهِ الأجيالُ الصّاعدةُ، لِأنَّنا لم نكن نعرفُ اليأسَ،.

و لا مشاعرُنا لامَسَتْهُ في يومٍ منَ الأيّامِ، و كُنّا نملكُ تلكَ الإرادةَ الّتي جعلَتنا نعصُر الحجرَ لِنستخرجَ منه الماءَ لنروي به عطشنا الشّديدَ ، و نصطادُ اقوى الحيواناتِ المفترسةِ ولا نهابُها لتأمينِ قوتِ يومِنا، أو إن كانت لقمةُ عيشِنا في أعماقِ البحارِ والمحيطاتِ نغوصُ ولا نخشى الغرقَ…

الثقة
كنّا على قدٍر عالٍ منَ الثّقةِ بالنّفسِ، وَ حذفنا من قواميسِنا مصطلحَ “المستحيل”، وانطلقنا نحو أهداِفنا بدونِ خوفٍ أو تردُّدٍ….
لقد أزلنا كلَّ إشاراتِ وَ رموزِ الضّعفِ وَ الفشلِ من طريقِنا ، وَ حطَّمنا قيودَ التّشاؤمِ، وَ أخرجنا عقوَلنا من سجنِ التَّقاليدِ الَّتي كانت تقتلُ طموحَنا…

وَ يقول ُمايكل جوردن (لاعبُ كرةِ سلَّة ٍأميركيّ) :” لا تجعلِ العوائقَ توقفُ مسيرتَكَ، إذا واجهتَ حائطًا فلا تستدرْ لِتعودَ خائبًا، عليك أن تحاولَ تسلُّقَهُ، أو المرورَ من خلالِهِ، أو حتّى الالتفافُ من حولِهِ” وأنا أقولُ في هذا المقامِ :”لا تكملْ سيرَكَ بعدَ اجتيازِ هذا الحائطِ مباشرةً ؛ بل عليكَ بتدميرِهِ ثُمَّ تابعْ سيرَكَ، لأنَّكَ بهذهِ الطّريقةِ تُسهّلُ لمن بعدكَ العبورَ…

وَ لو وصلتَ أنتَ مُتأخّراً, سيصلُ الذي يسيرُ من خلفكَ مُبَكّراً بفضلِكِ أنت ,فالعزيمةُ وَ الإرادةُ لا يكتملانِ بدونِ أعمالٍ إنسانيّةٍ تستفيدُ منها الأجيالُ الصّاعدةُ, فإن لم نستطعْ أن نبنيَ لهم حضارةً تناسبُ أحلامَهم، رَغمَ كُلِّ جهودِنا وطاقاتِنا، فعلى الأقلِّ نكونُ بعزمِنا وَ إِرادتنا سهَّلنا لهم كلَّ الدّروبِ الَّتي توصلُهُم الى تلك الحضارة ِالمرموقةِ، الَّتي تتناسبُ مع أحلامِهم وَ طموحاتِهم…

كيف تستعمل طموحك

وَ لكن حذارِ أن تستعملَ عزيمتَكَ الجبّارةَ وإرادتَكَ الصَّلبةَ في أيِّ طموحٍٍ سيّءٍ، كما يفعل معظمُ رؤساءِ الدُّولِ العظمى، فجُلُّ هدفِهم من عزائمِهِم وإرادتِهم،هو استغلالُ الدّولِ الضَّعيفةِ ونهبُ ثرواتِها وَ احتلالِها، لتوسيعِ نفوذِهِم وتحقيقِ طموحاتِهم القبيحةِ…

وَ اعلمْ أنّهُ مهما كنتَ جبّاراً وَقوِّيّاً وَ مهما بلغت همَّتُكَ، فلن تستطيعَ أن تحافظَ على كلِّ ما جنيتَهُ سيِّئاً، فهناك أجيالٌ ستلعنُكَ، وتنقلبُ على مَن خلفَكَ، الّذي سيرثُ ما تركتَهُ لَهُ مِن حضارةٍ فاسدةٍ …وَغيرَها، بسببِ طمعِك وشجعِك، وبهذا الفعلِ ستُهرقٌ الدِّماءُ في عهدِك ومن بعدِك، فلن تنفعَكَ عزيمتُك في شيءٍ ولا قوّةَ إرادتِك، بل هما وبالٌ على العالمِ بأسرِهِ، ولا يجلبانِ معَهُما إلّا الحروبَ والدَّماَر وَ قتلَ النّاسِ ظُلمًا بغيِر وجهِ حقٍّ…

و في ختامِ كلامي عن الإرادةِ والعزيمةِ، أريدُ أن أُبلغَكم أنَّ كلَّ ما حقَّقناهُ إلى يومِنا هذا، لم يكن صدفةً، ولم يأتِ من العدمِ، لا بل وُلِدَ من رحمِ آلامِنا وهمومِنا ومشاكلِنا، هو ثمرةُ متاعبِ الدَّهرِ، الّتي كافحناها وثابرنا بكلِّ صمودٍ حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليهِ …

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.