العملاقان الخفيان: عبد المنعم وحسين إسماعيل.. قدما الابتسامة وعاشا الألم لا يعرفه أحد

الوجهان الضاحكان.. ومأساة غرق في النيل وموت مبكر

شقيقان من زمن الفن الجميل.. قدما البسمة وعاشا الألم

قصة الشقيقين إسماعيل: ألم خلف الكوميديا في زمن الفن الأصيل

كتبت / غادة العليمى

 

من خلف ستار الأضواء الساطعة لنجوم الزمن الجميل، وقف العشرات من الفنانين الحقيقيين، كانوا عمادا للعمل الفني، و أساسا لصدقه، رسموا البسمة على وجوهنا، بينما كانت قلوبهم تمزقها الآلام. كانوا وجوها مألوفة كأفراد من العائلة، نعرف أدوارهم قبل أسمائهم، نصدقهم حين يبكون ونضحك معهم حين يمرحون. ومن بين هؤلاء، يبرز شقيقان جمعتهما المهنة وفرق بينهما القدر، إنهما “عبد المنعم إسماعيل” و”حسين إسماعيل”.

عبد المنعم إسماعيل: نجم أطفأه الحزن

في الثالث من نوفمبر عام 1907، ولد الفنان عبد المنعم إسماعيل، لتبدأ رحلة فنية طويلة لكنها بقيت في ظل الشهرة الواسعة. كانت بدايته ككومبارس صامت في أفلام مثل “انتصار الشباب” (1941) و”المتهمة” (1942)، لكن موهبته الفطرية وأسلوبه العفوي سرعان ما فرضا وجوده.

لسنوات وسنوات، تخصص عبد المنعم في تقديم الشخصيات المصرية الأصيلة، البسيطة منها والشفافة. كان البواب، القهوجي، الشويش، الفراش… أدوارا ثانوية في الأوراق، لكنها كانت أساسية في قلوب المشاهدين. قدم الشخصية المصرية بكل ما تحمله من طيبة وصدق وبساطة، فصار الجمهور يشعر وكأنه يعرفه شخصيا، يثق فيه ويحبه.

وفي فيلم “قنديل أم هاشم” (1968)، قدم عبد المنعم دورا مؤثرا أثبت للجميع أنه يمتلك موهبة كبيرة تتجاوز أدوار “الوجه المألوف”، ليقدم أداء دراميا عميقا يثبت أنه فنان من الطراز الأول.

من شاشة السينما إلى قاع النيل: مأساة حقيقية

وراء الابتسامة العفوية التي كان يقدمها على الشاشة، كان هناك عالم آخر من المعاناة. رحلة عطاء طويلة لم تمنحه لا الشهرة الواسعة ولا الاستقرار المالي. تراكمت عليه الديون، وفشل في سدادها لقرابة العامين، وفي تلك الفترة العصيبة، توقف عطاؤه الفني، فلم يرشح لأي عمل جديد.

حيث وصلت المأساة ذروتها حين طرد أبنائه من المدرسة لعدم قدرته على دفع المصاريف. ضاقت به الدنيا، و انكسرت أحلام الرجل الذي أضحك الملايين طوال سنوات، لتنتهي حياته بنهاية مأساوية لم تكن لتخطر ببال كاتب درامي. في الثالث عشر من أكتوبر عام 1970، قرر عبد المنعم إسماعيل إنهاء معاناته، فألقى بنفسه في نهر النيل، ليغرق في صمت كما عاش طوال حياته. ليرحل الجسد، وتبقى الابتسامة شاهدا على أحد أكثر قصص الفن ألما في مصر.

حسين إسماعيل: صاحب الابتسامة الطيبة والكوميديا الهادئة

بعد خمسة عشر عاما من مولد شقيقه، وفي التاسع والعشرين من أكتوبر 1922، ولد حسين إسماعيل، ليدخل مجال الفن متأثرا بشقيقه الأكبر، ويصبح أحد أشهر الوجوه الثانوية في أفلام الأبيض والأسود.

ورث حسين عن شقيقه حب الشخصيات الشعبية، فتخصص هو الآخر في أدوار أصحاب الحرف. كان الجزار، الحلاق، البواب. لكن أشهر أدواره على الإطلاق كان دور “الساعي”، و خصوصا في فيلم “مراتي مدير عام” مع شادية وصلاح ذو الفقار، وهو الدور الذي ظل عالقا في أذهان الجمهور.

 

كما قدم أدوارا لا تنسى مثل دور “زنفل” في فيلم “آه من حواء” مع رشدي أباظة ولبنى عبد العزيز، ودور “الريس فهمي” في فيلم “الناس والنيل” مع سعاد حسني وصلاح ذو الفقار. كانت أدواره صغيرة، لكن حضوره كان كبيرًا، وابتسامته الطيبة الهادئة كانت كفيلة بسرقة المشاهد.

منافسة شريفة ومحبة دائمة

جمعت بين الشقيقين منافسة شريفة على نفس نوعية الأدوار، لدرجة أن الكثير من المشاهدين كانوا يخلطون بينهما. لكن هذه المنافسة لم تكن سوى جزء بسيط من علاقة كبيرة جمعتهما بالحب والاحترام طوال حياتهما.

وفي الخامس والعشرين من يوليو 1974، رحل حسين إسماعيل عن دنيانا في عمر الواحدة والخمسين، تاركا وراءه إرثا من البهجة والأعمال التي مازالت تثير الابتسامة حتى اليوم.

 

خلود في الذاكرة

لم يكن عبد المنعم وحسين إسماعيل أبطالا بالمعنى التجاري للكلمة، لكنهما كانا نجوما حقيقيين في قلوب الجمهور. قدما فنا صادقا نابعا من القلب، فعاش في ذاكرة الأمة رغم قلة الأضواء. ستظل قصتهما درسا إنسانيا مؤثرا عن الجمال والمعاناة، عن الابتسامة التي تهدى للجميع والألم الذي يختفي في الصمت. رحمة الله على العملاقين الخفيين.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.