العودة للحياة الحقيقية : بين العزلة الرقمية ودفء التواصل الإنساني
بقلم / إيمان سامي عباس
العودة للحياة الحقيقية .. في زمنٍ يسيطر فيه الضجيج الرقمي ، أصبح الشباب قادرين على التواصل مع المئات بضغطة زر، لكن المفارقة أن هذا الاتصال لم ينجح في ملء الفراغ الداخلي، بل زاد من حدة العزلة والوحدة. العالم الافتراضي بكل إمكانياته يظل عاجزًا عن منح الإنسان الدفء الذي تمنحه العلاقات الإنسانية الحقيقية، من ضحكة صادقة أو حديث عفوي أو نظرة تحمل فهمًا عميقًا.
عزلة خلف شاشات مضيئة
العزلة الحديثة ليست قلة الأصدقاء أو المتابعين، بل هي افتقاد للتفاعل الواقعي الذي يمنح الحياة معناها. فالشباب اليوم يعيشون حالة من الازدواجية: حضور دائم على الإنترنت، يقابله غياب عن الواقع. صور ومقاطع فيديو توحي بالسعادة والنجاح، بينما في الداخل مشاعر قلق وخوف ولا جدوى. هذه “العزلة الصامتة” تظل خفية، لأنها ترتدي قناع الاتصال المستمر، لكنها مع مرور الوقت تتحول إلى ضغوط نفسية وغربة حتى داخل الدوائر الأقرب.
ولا يكفي أن نلوم التكنولوجيا، بل علينا إدراك أن الخلل يكمن في اختلال التوازن. فالتواصل الرقمي مهما كان سريعًا، يظل بديلًا هشًا، لا يمكنه أن يعوض لحظة إنسانية صادقة. الحل يبدأ بإعادة الاعتبار للعلاقات الواقعية: لقاء الأصدقاء، تخصيص وقت للأسرة، والبحث عن لحظات تُعاش بعيدًا عن إشعارات الهاتف.
مسؤولية مشتركة للخروج من دائرة الوحدة
التصدي لهذه الظاهرة يتطلب جهدًا جماعيًا. فالأسرة والمجتمع مطالبان بخلق مساحات آمنة للشباب، حيث يجدون من يسمعهم ويفهمهم بعيدًا عن لغة الأرقام والمتابعين. كما أن المؤسسات التعليمية والثقافية لها دور كبير في تنمية روح الفريق عبر الأنشطة الجماعية مثل المسرح، الرياضة، الرحلات، والمبادرات التطوعية، فهي ليست ترفيهًا فقط، بل جسورًا تعزز الانتماء وتكسر جدار العزلة.
لكن المسؤولية لا تقع على المجتمع وحده، فالشباب أنفسهم معنيون بالتحرك الواعي. العزلة ليست قدرًا، بل خيار يمكن تغييره. إدارة الوقت بذكاء، ممارسة الهوايات، الانخراط في العمل التطوعي، والحرص على اللقاءات الواقعية، كلها خطوات بسيطة لكنها كفيلة بإعادة التوازن.
الحياة ليست مجرد منشورات وصور تُنشر، بل هي مشاعر حقيقية، تجارب مشتركة، ولحظات تُعاش. والسؤال المطروح: هل نحن مستعدون للعودة إلى الحياة بعيدًا عن سجن الشاشات.
كاتبه المقال إيمان سامي عباس