العيد

العيد

بقلم/ مايكل جميل

وقفت سيدة في العقد الرابع من عمرها أمام مكتب

الأب الكاهن المسئول عن احتياجات الفقراء ويبدو

أنها كانت تنتظر لساعات طويلة، فإنكسار العوز

والإحتياج امتزج مع تعب الإنتظار وظهروا

واضحين على ملامح وجهها، فرفعت عينيها أمام

صورة للسيدة العذراء وهى تحمل الطفل يسوع

وغلبتها دموعها في صمت، فهذه ثالث مرة تأتي

للكاهن المسئول طالبة معونة لزوجها المريض

واحتياجات البيت الأساسية، والكاهن يصرفها بكل

جفاء فارغة اليدين بحجة أن اسمها غير مدون في

سجلات أخوة الرب وعليها أن تنتظر حتى يكونوا

لجنة لبحث حالتها واللجنة تكون لجنة للوقوف

على وجودها في المربع السكني الخاص بالكنيسة،

أم انها تقع في مربع سكني خاضع لإشراف كنيسة

أخرى فتتكون لجنة أخرى لتحويل ملفها الكنيسة

الأخرى حتى يكونوا لجنة لبحث حالاتها ويروا إذا

كانت تستحق بركة إخوة الرب أم انها لا تستحق؟

في المرة الأولى انحنت لتقبل قدمي الكاهن

المسئول فزوجها على فراش الموت وأولادها

يموتون جوعًا والعيد على الأبواب ولكن الأب

الكاهن اعتذرلها بإنه عاجز عن مساعدتها وأن

الأسقف يشدد على أنه ممنوع مساعدة من هم

أسماءهم غير مدرجة في كشوفات أخوة الرب،

ورجعت بيتها بخيبة أمل وكسرة نفس لم يعيدها

للمرة الثانية إلا تدهور حال زوجها فجاءت باكية

متوسلة للكاهن المسئول الذي كان مشغولا مع

بعض أراخنة الكنيسة اللذين جاءوا محملين بعطايا

مادية وعينية وكان الكاهن قد أعد لهم مائدة

مكتظة بالمأكولات البحرية تليق بهم، انتهت بأن

ترك كلا منهم تبرع بمبالغ عبارة عن أرقام يوضع

أمامها أصفار كثيرة وكانت هى واقفة تشاهد و

تنتظر وانتظرت حتى فرغوا تمامًا وناداها الكاهن

المسئول لتساعد في جمع بقايا الطعام وتنظيف

المكان وفِي النهاية سمع لها الكاهن ومد يده في

جيبه وأعطاها ورقة فئة الخمسين جنيهًا وصرفها

متعللا انه لا يستطيع أن يساعدها بأكثر من ذلك

(لأنهم داخلين على عيد وبيجددوا مبنى الخدمات

وبيشتروا أواني مذبح جديدة وكسوة جديدة) دا

غير إن المستشفى ودار المسنين الملحقين عاوزين

فلوس غير إنهم يريدون أن يشتروا بضاعة

للكانتين علشان داخلين على العيد والمرتبات

والعيدية والذي منه، فمضت مكسورة النِفس للمرة

الثانية ولَم تمضي سوى بضعة أيام حتى اتصل بها

الكاهن المسئول وقالها أبشري يا أم فلان ممكن

تاخدي تبرع كويس بس بشرط هنصورك واحنا

بنديكي كرتونة العيد وهنديكي فلوس كويسة

تودي جوزك للدكتور وتعالجيه ومتخافيش الكلام

دا مش هيتذاع غير القنوات المسيحية علشان

نعرف نلم ليكم تبرعات لما يشوفوها الناس اللي

برة، وعندما حاولت ان تعتذر لخجلها وأنها لن

تعرف أو تستطيع القيام بذلك فنهرها الكاهن

المسئول قائلاً: أمال إحنا هنجيب لكم منين دت

بدل ما تشكريني إني بعمل معاكي معروف إنتي

تجيلي بكرة الساعة ٢ الضهر أقعدك مع حد

يحفظك تقولي إيه ولو مجتيش ذنب جوزك

وعيالك إحنا براءة منهم وذنبك على جنبك…وأغلق

السماعة في وجهها وأغلق مع السماعة كل مفاتيح

السماء المتحكم فيها والذي يمتلكها وحده وانهمرت

في الدموع وجاءت ابنتها الكبرى وابنها الصغير

يجلسون بجانبها يربتون على كتفها..

وقررت أخيرًا أن تنصاع لأوامر الكاهن وذهبت له

وها هى واقفة تنتظر حتى يأتيها أحدهم يعلمها

ويحفظها ماذا ينبغي أن تقول أمام الكاميرا، وأخيرا

خرج لها الكاهن المسئول ومعه تاسوني والمخرج

ومعدة البرنامج ورحبوا بها ويطمأنوها أن ما

سيصوروه لن يعرض إلا على الفضائيات المسيحية

وفجأة قطع هذا الهدوء صرخات وعويل لم يكن

يعرف أحدهم سببه أو مصدره ولكنها استطاعت

تمييز الصوت أنه صوت ابنتها صارخة: الحقي يا

أما أبويا مات ياما أبويا مات…مات ياما وسبنا

لمين أبويا مات

التفت الكاهن للمرأة يعزيها قائلا لها زوجك ارتاح

من أتعاب العالم وراح لمكان أفضل ولكنه لما

يجدها أمامه فقد جرت مهرولة لمنزلها لترى زوجها

الذي رحل للتو للسماء ليشكي لإله السماء عن

قسوة سكان الأرض.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.