الغجر

الغجر

بقلم: خديجة يونس

الغجر
الكاتبة خديجة يونس

كان حبى ذهبا مصهورا

وقمرا أصفر فوق الخيمة

إذا كنت من هواة السينما العربية فبالتأكيد ستذكر “نعيمة

عاكف” الراقصة الغجرية “تمر حنة” وحكايتها مع حبيبها

“حسن المتسكع” العامل بالموالد.

 أما إذا كنت من هواة الأدب العالمى فستذكر “أزميرالدا”

الراقصة فى أحدب نوتردام أو “كارمن” بائعة الهوى الغجرية

الباحثة عن الحرية فى أوبرا كارمن،

(كلهن وجوه للغجر، أو النور، أو الحلبة).

أيا كان اسمهم فى منطقتك فعندما يذكر الاسم يتبادر إلى الذهن

دومًا كل الصفات السيئة، فهم اللصوص والنشالون والحواة

فى الأسواق الشعبية وهن الراقصات وبائعات الهوى

والمغنيين على أرصفة المدن، هم ساكني الخيام ذوي الملابس

الملونة والملامح الغريبة والروح الحرة المنفلتة من كل قيد أو

نظام.

من هم الغجر؟ وأصلهم ؟

تختلف الأراء فى أصل الغجر ومن أين أتوا، فمن علماء

الأجناس و الإجتماع من ينسبهم تارة إلى بلاد الرافدين أو أسيا

الوسطى وبعضهم يطلقون على الغجر “لفظ جيبسي” _نسبة

إلى جيبتوس_ (أى المصري) لإقتراب ملامحهم مع

المصريين، ولكن الأرجح أن أصولهم تعود إلى قبائل هندية

تسمى دومر وهى الأساس فى بناء حضارة “وادى السند” وقد

ارتحلت قبائل الدومر قديمًا فى بداية القرن الرابع الميلادي

واستمرت رحلاتهم إلى اليوم.

ينقسم الغجر إلى:

1- غجر الرومن “الروما”: وهم قاطني أوروبا ويعيشون اليوم

فى رومانيا وبلغاريا وصربيا وصولا إلى فرنسا وبريطانيا،

ويتحدثون إما بلغات تلك الدول أو لغات خاصة بهم ويدين

أغلبهم بالمسيحية.

2- غجر “الدوم”: قاطني الشرق الأوسط ويشتهرون بأسماء

الحلب والنور والغربتى والهناجرة وغيرهم تبعًا لأسماء

قبائلهم. وينتشرون فى مصر والشرق الأوسط وتركيا وإيران

ويتحدثون بلغة شفاهية تسمى الدومرية أو العصفورية وهى

لغة تنتشر بين كبار السن منهم ولذلك فهى على وشك

الانقراض.

أين ينتشرون ولماذا هم رُحَلْ دائمًا؟

يعشق الغجر حياة الترحال فهم يعتقدون بأن الأرض كلها ملك

لهم لذلك لن تجد لهم قضية موحدة ولا أرضًا يعودون إليها.

وقد عانى الغجر من هذا الشتات وتعرضوا للاضطهاد فى

عصور كثيرة لعزوفهم عن الانخراط فى المجتمعات

الحضارية، ولكنهم يفضلون هذا النمط من الحياة الذى يمنحهم

الحرية المطلقة.

فقد بدات هجرتهم من أراضيهم فى حدود القرن الرابع

الميلادى من موطنهم في الهند وإيران وذلك يفسر بشرتهم

السمراء وملابسهم الملونة وصفاتهم الجسدية، وانطلقوا من

بلادهم وصولاً إلى أرمينيا ثم الأناضول وفى القرن التاسع

الميلادي بدأ الغجر في الظهور حول الإمبراطورية البيزنطية،

وفي القرن الخامس عشر بدأوا فى العبور تجاه أوروبا

ووصلوا إلى مناطق المجر وصربيا وبلاد البلقان ثم استمر

انتشارهم إلى بولندا إلى أن بلغوا السويد وانجلترا فى القرن

السادس عشر كما استوطنوا إسبانيا بأعداد كبيرة.

اللغة والعادات

لغة الغجر هى لغة منطوقة وليست مكتوبة وهى محورة

ومشتقة من اللغات الهندية ولذلك تبدو غريبة حتى عن اللغة

الهندية السنسكريتية وقد دخلت عليها إضافات كثيرة حتى

يومنا هذا، وتعانى هذه اللغة الآن من الانقراض لعدم استعمال

الشباب لها ولعدم وجود حروف مكتوبة تحفظها وتحفظ آدابها.

يمتهن الغجر عادةً مهن بسيطة: كرعاية الماشية وصنع السلال

وترويض الحيوانات والحدادة وجمع المحاصيل الزراعية

وبالتأكيد هم موجودون فى مهن الغناء و الرقص والفنون من

أجل الحصول على لقمة العيش.

يحافظ الغجر جدًّا على عاداتهم ويغرقون فيها فعند الموت مثلاً

يغالون فى الحزن والاحتفال بالطبل والزمر وقد يغادرون

مسكنهم تطيُّرًا من الموت، وعند الزواج يقوم أهل العريس

بدفع مبلغ كبير لأهل العروس ويكون الزواج فى إحتفالات

كبيرة، ولا يتزوج الغجر من خارج قبيلتهم أبدًا وإذا حدث تكون

العقوبة هى النفي و الاستبعاد من الجماعة وربما وصل العقاب

إلى أهله أيضًا فيجد نفسه منبوذًا ولا يكلمه أحد حتى أفراد

عائلته.

يمكن تمييز الغجر بسهولة جدًّا بسبب ملابسهم فعادة ما ترتدى

نسائهم ملابس فضفاضة صارخة الألوان ومطرزة بالورود

الكثيرة وأغلبهم يرتسم بالوشوم على الوجه.

الشكل الاجتماعى والقبلي

يعيش الغجر فى مجتمعات قبلية عشائرية تحكمها عادات

القبيلة وأحكامها العرفية ويكون المسيطر فيها دائمًا هو شخص

يتم انتخابه من قبل الجميع لحكمته، وهناك رئيسة للعشيرة من

النساء وتختص بأمور النساء و الأطفال، ويسود بين الغجر

مجتمعًا عادلاً فلا حاجة بهم للجوء إلى المحاكم القانونية مادام

تتم تسوية النزاعات داخليًّا.

الأغنية الغجرية

تقول الأغنية الغجرية:

كان حبي ذهبا مصهورا

وقمرا أصفر فوق الخيمة

والحوافر التى ترن على الطريق الثلجى

نعم، هناك حيث سرى حبى إلى راحتيك

وشعرك وشفتيك

أغرت تقاليدهم الغريبة والأصيلة فى الموسيقى والغناء

والرقص الكُتَّاب على مرّ العصور بتتبعهم واستلهام القصص

من حياتهم، فنرى الكثير من الأدباء يعرضون لحياتهم

ويتعاطفون معهم ومنها أعمال كثيرة خالدة “كأحدب نوتردام”

“وكارمن” وأقصوصات الغجر الغنائية للوركا، ويقال أن

“رقصة الفلامنكو الإسبانية” تمتد أصولها إلى رقصات الغجر.

وأغرت موسيقاهم العديد من المؤلفين أمثال “براهمز

وفيردى”، وظهر ذكرهم فى “شهنامة الفردوسي” حيث ذكر

أن الملك قد شعر أن بنى قومه مجتهدون فى العمل حتى

أورثهم تلك الكآبة فلا تعرف الابتسامة غليهم طريقًا، فبعث إلى

عماله فى الهند ليرسلوا له قومًا ينشرون الفرحة بين الناس

فأتوا برقصاتهم وألعابهم البهلوانية فعادت الضحكة للناس.

تواجدهم الفعلي اليوم

يبلغ تعداد الغجر فى العالم اليوم حوالى 10 ملايين، ثلاثة

أرباعهم من الرومن ينتشرون فى أوروبا والباقى من الدومر

ينتشرون فى الشرق الأوسط وتركيا وإيران ومازالوا يرتحلون

حول العالم كما فعلو لقرون طويلة.

https://www.elmshaher.com/

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.