الغيرة المدمرة …. العدد 21من جريدة أسرار المشاهير يوليو 2017

كتبت
نيروز الطنبولي
========
ربما يتبادر للأذهان بعد قراءة هذا العنوان أننا بصدد جريمة بشعه وقعت ضحيتها إمرأة أثارت شكوك زوجها فقتلها دون تريث
أو زوجة دمرت حياة زوجها وحياتها بسبب لهثها وراءه تتقفى أثره وتشمشم وتفتش لتجد ما يدل على خيانته التي صارت موقنة بها إثر غيرتها الشنعاء والتي ليس لها أي أساس من الصحة
ولكن الأمر ليس كذلك البته.

لاشك أن ماأوردته آنفا من أشكال الغيرة هي أسرع ما يتبادر إلى أذهاننا كلما ذكرناها إلا أن غيرة النساء من بعضهن البعض هي الأكثر والأسرع تدميرا وفتكا بالمجتمعات ولن أكذبكم قولا هي كفيلة بهدر الأموال وتدمير إقتصاد دولة بأسرها وأنا لا أبالغ في ذلك وإليكم الأدلة.

إعتدت أن أذهب مهندمة بمريولي الأخضر الفاتح إلى مدرستي الإبتدائية وذلك بالصف الثاني بعد أن قضيت العام الدراسي الأول من خلال دراسة منزلية برفقة أمي التي كانت تعتني بي كثيرا وتحرص على تمشيط شعري وعمل زعرورتين مربوطتين بالفيونكة البيضاء النظيفة اللامعة
ولم أتصور للحظة أن هذا المظهر الأنيق هو كفيل بسحلي أرضا _على خوانة _من صديقتي الأولى بالمدرسة هند التي عرفتني على أمها بأحد الصباحات عندما كانت توصلها للمدرسة….
نعم فقد أوقع مدح الأم لطلعتي البهية الغيرة القاتلة بصدر هند
والتي لم تجد أمام تكرار الأم لهذا المدح سوى الإنقضاض علي وطرحي ارضا وتغبيري بكل تراب الساحة لتري امها عند رحلة المرواح أنني لست بالنظيفة اللطيفة التي تحافظ على مريلتها حتى تكف عن إطرائي ومقارنتي بهند الشقية بعض الشي.
غارت هند وأمام بكائي الغير منقطع من هول المفاجئة عرفت أول دروس الغيرة وأثرها السيء عندما بررت لي أمي ماذا حدث بعد أن قصصت بعض تفاصيل اليوم عليها فقالت هي الغيرة نعم الغيرة التي أفقدني هند صديقتي الأولى ولم تكن الأخيرة.
لم تكن محاولة هند الأخيرة للإيقاع بي وإنما كانت بمثابة فاتحة خير علي
فقد إستمرت هند بجلوسها إلى جواري في الصف ففي أحد الأيام أغرتني بإرتداء خاتمها الذهبي ولم أعتد ذلك إلا أنها ألحت فقبلت وبسعادة وبعد أن غادرت المدرسة إنتبهت بأنني لم أعيده
وخشيت أن أذكر ذلك لأمي فتكتمت الأمر إلا أن فاجعة مجيء أهل هند معها لدارنا ومطالبتي كسارقة الخاتم والعلقة التي إحسيتها من أمي لم تكن سوى القسط الأخير في علاقتي بهند الغيورة .

مما لاشك أن الغيرة سلاح ذو حدين فربما تدفعك لتدمير من أمامك إذا إنطوت على الحقد وربما تكون دافعا لك لتحسن من نفسك وتهتم لأمرك بما يقتضيه تطوير إمكلناتك وقدراتك بحيث تصبح واثقا بنفسك ولراضيا عنها وهذا ما حدث لي بالفعل.

كان لوجود أخي الأكبرفي حياتي ولتميزه علي وإطراء والدي يرحمه الله له كبير الأثر في إنخراطي في كثير من الأنشطة والتفوق بالمدرسة فبالرغم من الأثر النفسي السيء الذي كان يتركه ذلك بداخلي إلا أنه كان حافز كبير لي
وبعد وقت ليس بقصير بدأت ألتفت لإمكانياتي المختلفة والمميزة
لكن هذا الأمر لابد ألا يتكيء عليه الآباء في التربية
فهذا الأثر لا نستطيع تعميمه فهو يخضع لفروق في القدرة على التقبل مما يجعله أمرا لا يحمد عقباه على الأغلب
وهذا ما حدث لصديقتي (ن) بالثانوية .
فقد كانت لها أخت تكبرها أقل عن عامين وكانتا أشبه بالتوأم إلا أن الأخت الكبرى كانت ملامحها أرق وشعرها أجمل
ما دفع الأم لتدليلها
وهكذا (ن) كانت تظن
لكن ليس هذا كل ما أخبرتني إياه فقد كانت من أكثر البنات ثرثرة بحكايات كانت تبهرنا لصغر سننا ونصدقها
وهي تحكي عن ابن عمها الذي يطاردها لحبه وعشقه لها وكيف تعرضت للتحرش من قبل ابن الجيران وماذا سقاها ليحتال عليها
ولم يكن هذا فحسب
بل كان لي نصيب أوفر من الحكايات لكوني صاحبة الأذن الأكبر من بين الصديقات
فهناك العمليات الجراحية والماساويات العائلية التي تبقيني في حالة من العذاب والبكاء وتجعلني مهتمة لأمرها وحانية عليها
ولقد إستغرقت وقتا طويلا حتى أستوعب محاولاتها الدائمة لإستدرار عطفي بهذه الأكاذيب
وإنتهت علاقتنا بمحاولاتي المتكررة لوقف هذه الأكاذيب ومحاولة إقناعها بالعدول عنها.

كبرنا وأصبحن نساء ولم تعد الغيرة بهذه السذاجة والطفولة وإنما أخذت منعطفات أخرى
فبعد غيرة الطفولة الساذجة والتي قد تنتهي بخصام أو بعلقة أو حتى وقيعة صغيرة صارت الغيرة عويصة الأثر تحمل في طياتها حقد وحسد دفين قد يودي بالعلاقات
وتنهار معه الأسر فهذه تزوجت وأنا لم أتزوج
وتلك زوجها أحضر لها وأن زوجي لا يهادينى
وزوجة أخي أنجبت ولدا وأنا لم أنجب بعد
وسلفتي تسافر وأنا لاأبرح داري ….
وقد يطرق باب الغيرة صفوف الموظفين بالشركة أو المؤسسة فهذا قريب المدير وهذا حصل على الترقية من دوننا وهو لا يستحق أو هذا يركن إليه العمل الأخف وأنا أسحق هاهنا ….
وبعد هذا كله ماذا من الممكن أن نتوقع بمكان أو بيت أو شركة يسود أجوائها هذه النفوس الغير راضية الحاقدة على الآخر وماذا سنجنب سوى الشحناء والوقيعة وتعطيل المراكب السائرة .

ليس سهلا أن تدرب نفسك بعدما كبرت على ترك الغيرة السلبية
بينما لو بدأنا من الصغر بدعم سلوك الرضا والإكتفاء والنظر لنعم تحيطنا وقد نغفلها
وذم هذا الشعور وتحليل السلوك الناجم عنه ومحاولة خفض معدلاتها بين الأطفال بتحقيق شيء من العدالة بمجتمعاتهم سواء في البيت و المدرسة و الملعب بعدم عقد المقارنات التي تثير الشحناء والغيرة
وليكن شعارنا مع أبنائنا أن ننظر لما بين أيدينا أفضل ما ننظر لما بأيادي المحيطين بالتأكيد سنخفض من معدلات تفشي هذا الطبع السيء وتبعاته.

ولا ضير من محاولة ضبط النفس في الأعمار المتقدمة
وعفوا عزيزى الرجل
فبالرغم من تجنيبك لموضوع كهذا إلا أن دورك في إشعال الغيرة بقلب زوجتك كبير
فتحاشى أن تكون طرفا وإلا فلا تلومن إلا نفسك
فكلمات
كطبيخك لا يشبه طبيخ أمي
وزوجة صديقي أحضرت له ….هكذا تكون الهدايا
أو أنظري لرشاقة هذه بالرغم من كونها أم لثلاث إلا أن رونقها لاتزال تحافظ عليه …
فمثل هذه الكلمات تجعل زوجتك تستشيط غيظا وغيرة ولن تتردد مهما كانت ثقافتها وثقتها بنفسها وبشكل عفوي أن تسقط لعناتها على من إمتدحت وناهيك عن ماقد تجلبه لنفسك منهم وغم ممتد الأمد فاحذر وإلا ستكون العواقب وخيمة.
لنحذر من مستصغر الشرر حتى لاتشتعل النيران

نيروز الطنبولي

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.