الفن كقوة ناعمة.. كيف تصنع الدراما وعي المجتمع فى عالم اليوم

كتب: هاني سليم 

في عالم اليوم، حيث تتسارع المعلومات وتنتشر الشائعات كالنار في الهشيم، لم يعد الفن مجرد ترفيه أو وسيلة للهروب من الواقع، بل أصبح أداة استراتيجية لصناعة وعي المجتمع، وتشكيل القيم، وغرس المبادئ، ومواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية. في هذا السياق، تبرز الدراما كقوة ناعمة قادرة على التأثير العميق في عقل وجدل الجمهور، لتصبح أكثر من مجرد شاشة تعرض الأحداث؛ إنها منصة تعليمية، وتحليلية، وإعلامية غير رسمية تصل إلى كل بيت وقلوب المشاهدين.

الدراما.. من التسلية إلى صانع وعي

لطالما ارتبطت الدراما بالقصة الإنسانية، وبقدرتها على نقل المشاعر والصراعات الداخلية للمشاهد، لكنها اليوم أصبحت وسيلة لتشكيل وعي جماعي. الأعمال الدرامية القوية تطرح قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية بأسلوب قصصي جذاب، فتخلق مساحة للتفكير والنقاش، وتضع المشاهد أمام تساؤلات حقيقية عن قيمه ومبادئه ومواقفه.


على سبيل المثال، الأعمال التي تناولت البطالة أو قضايا المرأة والأسرة، لم تكتفِ بعرض المشكلات، بل قدمت نماذج لكيفية التعامل معها أو التغلب عليها، مما ساهم في زيادة وعي الجمهور بقدرتهم على مواجهة هذه التحديات في حياتهم اليومية.
ايضا فى الدراما التاريخية، مثل بعض الأعمال التي أعادت سرد قصص بطولات مصرية وعربية، يتم ترسيخ القيم الوطنية والاعتزاز بالهوية، وغرس شعور الانتماء لدى الأجيال الجديدة. هذه الأعمال تقدم نموذجًا مثاليًا لقوة الدراما في تشكيل وعي جماعي متكامل، يدمج بين التسلية والتعليم والثقافة.

القوة الناعمة.. الفن بين الثقافة والسياسة

تعرف القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير في المجتمع بدون استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية، من خلال الثقافة والفكر والفن. وفي هذا الإطار، تلعب الدراما المصرية والعربية دورًا محوريًا في تعزيز القيم الوطنية والاجتماعية، وصناعة هوية المجتمع، ورفع وعي الجمهور حول القضايا اليومية، بل وحتى العالمية أحيانًا.
الدراما تصل إلى قلب المشاهد وعقله بطريقة تجعل الجمهور يشارك القصة ويعيش تفاصيلها، ويشعر أنه جزء من الأحداث. ومن خلال هذا التفاعل، يتم تشكيل رأي عام واعٍ قادر على التمييز بين الحق والباطل، وبين الحقيقة والزيف. هنا، يتحول كل مسلسل أو فيلم ناجح إلى أداة استراتيجية تصل إلى ملايين المواطنين بشكل طبيعي، بعيدًا عن الرسائل الرسمية المباشرة التي قد يصعب على البعض استيعابها.
مسلسل مثل “الاختيار” على سبيل المثال، نجح في رسم صورة حية عن البطولات المصرية ضد الإرهاب والفكر المتطرف، وأثر بشكل مباشر في وعي الجمهور، وخاصة الشباب، بتجسيد قيم الانتماء والشجاعة، ومواجهة التطرف الفكري والاجتماعي. هذه الأمثلة تثبت أن الدراما يمكن أن تكون خط الدفاع الأول ضد الفكر الهدّام.

مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب الفكري

تمثل الدراما وسيلة فعالة لمواجهة التطرف الفكري، من خلال تقديم نماذج مضادة وقصص حقيقية عن الانحراف والخطر الفكري. الأعمال التي عرضت حياة شباب وقعوا في براثن الفكر المتطرف، واستعرضت أسباب الانحراف وطرق العودة إلى الطريق الصحيح، أثبتت أن الدراما قادرة على توعية الجمهور، وتحويله إلى عنصر مقاوم للتطرف والشائعات.
مثال آخر هو الأعمال التي تناولت قضية الإنترنت والشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يواجه الجمهور ضغوطًا مستمرة من معلومات مغلوطة، وقدمت الدراما أدوات ووسائل لتحليل هذه المعلومات والتفريق بين الحقيقة والتزييف، لتصبح بذلك جزءًا من التربية الفكرية للمجتمع.

المزيد: أحمد العوضي يبدأ تصوير «علي كلاي»..شاهد التفاصيل

الدراما وبناء القيم الاجتماعية

تتجاوز تأثيرات الدراما البعد السياسي والفكري لتصل إلى البعد الاجتماعي. الأعمال التي تتناول قضايا الأسرة، الزواج، التربية، أو الأخلاقيات، تشكل إطارًا مرجعيًا للجمهور، وتعيد النظر في القيم التي قد تتعرض للتحدي بسبب الانفتاح الثقافي ووسائل التواصل الاجتماعي. من خلال تقديم قصص واقعية، ومواقف يومية، وحل النزاعات بشكل عقلاني، تساعد الدراما في تعزيز القيم المجتمعية، وغرس المفاهيم الصحيحة للأخلاق والتعامل بين أفراد المجتمع.
مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي” الأسري إلى العلاقة بين الأبناء والآباء، وقدمت حلولاً وأمثلة عملية، ما جعل الجمهور يتفاعل معها ويتأثر بالرسائل الأخلاقية والاجتماعية التي تحملها.

مسؤولية الفنان والمبدع

القوة الناعمة للفن تأتي مع مسؤولية كبيرة على الفنانين والمبدعين. فالعمل الفني الذي يفتقر للقيم أو يعتمد على الإثارة الرخيصة أو الابتذال، لا يساهم في بناء وعي المجتمع، بل قد يدمّره. لذلك، يجب أن تكون الرؤية الفنية لكل عمل واضحة، ورسالة محددة تجمع بين الجمال الفني والهدف الاجتماعي، بحيث يتحقق التأثير المطلوب على المشاهد، ويصبح الفن أداة لصناعة مجتمع واعٍ قادر على مواجهة التحديات الفكرية والثقافية.
الفنان اليوم ليس مجرد مؤدي دور، بل هو صانع وعي، ومرشد فني يساهم في تشكيل الجيل الجديد، ويرسخ القيم الوطنية والاجتماعية. وباختيار الموضوعات بعناية، يمكن للفنان أن يحول كل عمل فني إلى مشروع ثقافي حقيقي، يؤثر في العقل والوجدان معًا.


الفن والدراما لم يعودا مجرد وسائل ترفيهية، بل أصبحا أدوات استراتيجية لصناعة المجتمع، وبناء القيم، ومواجهة الفكر الهدّام. عندما يتحمل الفنان مسؤوليته، ويختار الرسائل الذكية التي تصل إلى قلب وعقل المشاهد، يتحول الفن إلى قوة ناعمة حقيقية، قادرة على إعادة تشكيل وعي المجتمع، وصناعة جيل قادر على التمييز بين الحقيقة والتزييف، بين الصواب والخطأ، وبين الفساد والنزاهة.
إن قوة الدراما تكمن في قدرتها على الوصول إلى الناس بطريقة طبيعية وعاطفية، أكثر من أي خطاب رسمي أو حملة توعية، لتصبح مرآة حقيقية للمجتمع، وأداة فعالة لبناء مستقبل أكثر وعياً وثقافةً وقيمًا، يجمع بين الانتماء الوطني والفكر العقلاني، ويجعل كل مواطن عنصرًا فاعلًا في حماية المجتمع من الفكر الهدّام والتطرف.

المزيد: أحمد العوضي يبدأ تصوير «علي كلاي»..شاهد التفاصيل

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.