الكاتب طه امين يكتب عن كواليس روايته ( بنت الدولتلي )

 

ليست بدور بنت الدولتلي هي اليتيمة الوحيده في حياتي ، فهناك ثلاثة أيتام شكلوا وجداني .. الاول طفل اسمه ” احمد ” .. كان عمه يقهره ويتكسب منه ، وعندما ضمه ابي ليعيش معنا حتي ذاب فينا وقرر ان ياخذه معي الي المدرسة انتزعه العم القاسي روحا طاهرة من جسدنا ليتكسب منه .. لا انسي هذا المشهد ما حييت وانا اري دموع ابي الكرستالية وهي تنهمر علي مشاعري فانبتت في اعماقي قيمة اليتيم .. ولابد انني وجدت تفسيرا لذلك مع نفسي ولنفسي ان ابي نشأ يتيما وفارقني وانا صبي .. !! .. ثم كانت ( بدور ) اللطيمة في حياتنا التي فقدت اهلها وهي طفلة صغيرة فجعلتها رواية بعنوان ( بنت الدولتلي ) .. نعم كتبتها رواية بطلب من خطيبتي منذ 31 عام .. هل كانت زوجتي تخشي علي ابننا رامي ان يكون مصيره مثل بدور .. فعلا .. عندها حق ..كنت اري بدور ومازلت هي عملي الصالح الذي انقذ طفلي ابن الاربعة سنوات من ضياع مؤكد ونحن النازحون لاحول لنا ولا قوة بلا منعة ومناعة في مثلث الخوف او عند الحدود المشتركة بين العراق وسوريا والاردن .. يا اللاهي ماذا لو ضاع ابني ؟! ً

بالهوي ابننا

اهدي ارجوك

كنت أصيح بأعلى صوتي وأنا أنصهــر في أتون الخوف وأنادي على ابني بهســتريا ورعب.. يا رامي .. يا رامي !!

فجأة استيقظت في أعماقي عقدة الطفلة (بدور) بنت الأربع شمعات وأنا أبلع الخوف مع الهواء وأردد: معقول ابني ســيصبح في عداد المفقودين مثل (بدور) التي تاهت وســط أمواج متلاطمة من البشر من دوران شــبرا.. معقول، ويصبح ابني ضمن العالقين عند الحدود المشــتركة بين ســوريا والأردن مع العراق..

معقول :

ماتخفشي يا «ابيه» هتلاقيه!

انت ِمين..

انا بدور؟ ..أيوه بدور! ِ .. مش مصدق ؟

وفركت عيني في ذهول هل هي بدور ام هو عملي

هو أنت كنت معانا في الكويت؟

ها ها .. أنا معاك في كل مكان طول ما أنت بتروي حكايتي لناسك الطيبين !

الحمدلله ..وجدته يابدور

مش قولتلك

وجدته متكوًما وراء جدار يبكي وهو يطالع جنود صدام حسين وهم يفتشون سيارتنا في جمرك الحدود ويصادرون تلفازه الصغير مع لعبته «النينتندو» المتعلق بها في منزلنا بالكويت!

ياه..

ما ارحمك يا الله .. ما الطفك .. وكأنك تطبطب علي وتقول لي مثل قولك لنبيك يعقوب : لو كان يوسف ميتا لاحييته لك

 

الكثيرون الذين قرأوا رواية بنت الدولتلي يسألوني : هل احببت بطلة روايتك مثل بجماليون في الاسطورة القديمة ؟! فاضحك رغم انني صنعت لها وجودا من لا شيئ ربما مثل انور وجدي وفيروز فقد كنت اراها بالفعل طفلة وتتكلم مع عروستها واتخيل انها تقول : قولي لأمي: بت أشــك في نفسي، كما تغني أم كلثوم؛ لأن الناس من حولي يظنون انني لقيطة او بنت فراش ويظنون يا امي انني ضحية ذنب لم اقترفه .. وأنني ثمن ليلة عابرة.. أو ثمرة علاقة لم ترقى لمســتوى الحــب..

، وأن لي أب كلما ســألت عنه يقولون لي أنه سافر عند ربنا..قولي لأمي: بنتك بمائة رجــل، وأنها على ثقة بأنني من عائلة كبيرة

وبالفعل كانت بدور الصغيرة بمائة رجل !! .. وكبرت الصغيرة بعد ان عادت لامها واصبحت جدة ، وادركت وانا اكتب روايتها انها فقط فلســفة وجودية في حيــاتي ، فقد كنت وقتها مرتبط بخطيبتي الاولي !

 

اما اليتيم الثالث فهو بالفعل ومضة الضوء في غربتي ..وهو ليس مصري ولا كويتي ففي الكويت دار عظيمة للأيتام والأرامل ، بل كان طفل من البوسنة والهرسك كنت اساهم في نفقات معيشته الشهرية وابادله انا وزوجتي هدي فريد العطف عن بعد عبر احدي الجمعيات الخيرية في الكويت .. وكان يصلني تقرير مصور عنه مرتين في العام افرح به واتذكر ابي لكن الصرب قتلوه هو وامه مثل اطفال غزة !

وفي روايتي بنت الدولتلي كتبت اهداءا لابني يقول :

الي ولي عهدي الامين المهندس الاستشاري رامي طه امين اوصيك ان ترعي يتيما واياك وكسر خاطره ، فهي ليست عظاما تُجبر بل هي ارواح تقهر .

الكاتب طه امين

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.