المجتمع ذو اللون الواحد
سلسلة مقالات للكاتب/ محمد وليد علي
الاقتناع
الانسان لديه كمية كافية من الموروثات ليعرف بعض الإجابات عن أسئلته ، و بعضها يكتسبه من المجتمع الذي يعتبر البيئة المحيطة و الحاضنة لذلك الأنسان بمعتقداتها و افكارها و آراءها ، منذ ولادته و تمارس عليه عملية اغتصاب فكري ، و هي الكلمة الأنسب من غسيل الدماغ لما تحتويه من عنفٍ و بشاعة ، يتلقى خلالها منظومة معلومات ليتعامل معها على أنها مسلمات لا شك فيها ، و حيث ان الأنسان متعلق بوالديه بتأثير التشابه الجيني و يرث منهم الصفات .
الطبيعة الأنسانية التي نتشارك بها مع سائر الكائنات و هي الصراع على البقاء ، رأى في ثدي الأم مصدر غذاءً مهماً سيبقيه حيا ، فوطد العلاقة بين الأبن و الام ، و بعدها يدرك الأبن رويداً رويداً ان الأب يقوم بدور كبير في خلق بيئة آمنة للحياة و صراع لجلب مصادر للحياة كالماء و الغذاء ، و تلك العلاقات البدائية أدت إلى نشوء ثقة و اعتبار أن تلك الكائنات لا يمكنها أن تضر او تؤذي الأنسان فيصير كل ما يفعلونه و يملونه عليه مسلماً من المسلمات .
يخرج ذلك الطفل حينها مبرمجاً و مشحوناً بما تلقاه في بيئة المنزل الأولية إلى المجتمع ، المجتمع المتشابه الذي يجمع بشر يحملون نفس الأفكار و المعتقدات و الآراء ، ليكونوا نسخاً مكررة ، و يؤثر على ذلك الانسان طوال فترات حياته المختلفة و بأساليب عديدة ، حتى يمتلئ جوف عقل ذلك الأنسان بلون واحد من الفكر يعتقد بأنه المثالي الصحيح الذي لا مثيل له ، و تأتي الصدمة على هذا الكائن الذي لا يعلم الا ما قيل له و املي عليه عندما يواجه فكر جديد و طرح كان معصوب العينين عنها بعصابة المجتمع ، بغض النظر عن الصراخ و العويل و الهجوم العنيف الذي يمثل ذلك الطفل الذي يتمسك بعبائة أباه بعدما اثبت له الآخر انها مهترئة لا تصلح .
تطور ذلك المجتمع للنقاش و لديه أساليب وطرق عديدة يجعل كل أفراد المجتمع قادرين على تبرير و عقلنة جميع ما لديهم من عادات و تقاليد و افكار ، و يبادر أفراد هذا المجتمع ترديد فكرة أنهم مقتنعون تماما بما لديهم من معتقدات و آراء ، و لكن من أين جاءت فكرة الأقتناع ، أين يكمن في مجتمع كهذا ؟ ، و ما الفائدة و كيف يمكن أن يصبح المجتمع عبارة عن أشخاص من المقتنعون ؟ ، مجتمع الفكر الواحد و الرأي الواحد كيف له ان يتكلم عن الاقتناع في بيئة لا تتيح مجال للخيارات و حدوث مقارنات و لا تفتح الأسقف المغلقة عنها ؟ ، لا اقتناع بلا خيارات متعددة بل مفتوحة حسب عقل كل شخص لتكون قناعات ، لكن بمجرد النظر لبعض المجتمعات نرى كيف أنهم يسمون هذا الأغتصاب الفكري – الذي أدى الى فكر جماعي بلون واحد – بالقناعات الشخصية ، لا اتعجب من منطقة الأمور بهذه الطريقة لكنهم كانوا في مأزق مواجهة أفكار أخرى قد طعنت في قناعاتهم الشخصية و أنهم مجرد كائنات تمت برمجتها ، فاستخدموا اُسلوب تبرير هزيل أمام أمم تفكر مفتوحة سماءها ، و سأناقش في المقال القادم قضية الرأي و الرأي المعدل.