المفهوم الشرعي لمعنى الكد والسعاية
المفهوم الشرعي لمعنى الكد والسعاية
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
الكد والسعاية
هو الشدة في العمل ، وطلب الكسب والرزق والإلحاح في الطلب .
« وهو ما حققه الزوجان من أموال تراكمت أثناء زواجهما ، بفضل عمل الزوج خارج البيت وعمل الزوجة داخل البيت وخارجه » .
والكد والسعاية هو حق المرأة في الثروة التي تنشئها وتكونها مع زوجها خلال فترة الحياة الزوجية » .
وهذا الحق يضمن للزوجة إذا انتهت العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها ، إما بالطلاق أو الوفاة ، بأن يتم تحديد وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال فترة الحياة الزوجية ، فتحصل على جزء منها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية إلى جانب زوجها .
وبهذا الكلام نقصر الكد والسعاية على الزوجة ، وجعله حقا خالصا لها .
ومع ذلك يدخل فيه كل من قدر على الإشتغال والتكسب من أفراد الأسرة .
لذلك نجد الفقهاء يعبرون هكذا
سعاية اليتيم ، سعاية الأخت ، سعاية الاخ ، سعاية الولد ، ومن له عدة زوجات ، فلكل واحدة سعايتها .
فلا يعقل أن تحرم المرأة التي شاركت زوجها ، وكدت في تنمية ثروته من أخذ نصيب منها .
وهذا ظلم وتسلط على أموال الناس بالباطل .
ولهذا نجد المرأة التى تشارك زوجها في الخدمة زيادة على الأعباء الأخرى كزوجة وأم ، فالنتاج هو حصيلة جهد مشترك بينهما وليس ملكاً خالصاً للرجل فمن الظلم أكل أموال الناس بالباطل ، ومنعهم من حقوق ملكيتهم .
والله تعالى يقول :
« ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها ﺇلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون » .
ويقول تعالى أيضا :
« ياأيها الذين أمنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﺇلا أن تكون تجارة عن تراض منكم » .
واستدلوا على مشروعيتها بالأثر الوارد عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :
في قصته مع عامر بن الحارث وزوجه حبيبة
« فقد كان عامرا قصارا ، وزوجته حبيبة بنت زريق ترقم الأثواب ، حتى اكتسبا مالا كثيرا فمات عامر وترك الأموال ، فأخذ ورثته مفاتح المخازن والأجنة ، واقتسموا المال ، ثم قامت عليهم زوجته حبيبة المذكورة ، وادعت عمل يدها وسعايتها ، فترافعت مع الورثة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقضى بينهما بشركة المال نصفين ، فأخذت حبيبة النصف بالشركة ، والربع من نصيب الزوج بالميراث ، لأنه لم يترك الأولاد ، وأخذ الورثة الباقي » .
ولهذا حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشركة المرأة مع زوجها .
وما قد يقال كنقد لاعتبار هذا الأثر سندا في المطالبة بحق الكد والسعاية هو أن حبيبة بنت زريق لم تطالب بحقها في سعايتها إلا بعد وفاة زوجها عامرا بن الحارث علما أن هذا الحق يمكن المطالبة به في كل وقت و حين.
ولقد أصل لهذا الأثر فقهاء المالكية قالوا
“اتفق مالك وأصحابه أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل أنها كانت شريكة فيما بينها وبين زوجها”
ولهذا أكد فضيلة الإمام الأكبر ضرورة إحياء فتوى “حق الكد والسعاية” من تراثنا الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة .
مؤكدا أن التراث الإسلامي غني بمعالجات لقضايا شتى، إذا تأملناها سنقف على مدى غزارة وعمق هذا التراث، وحرص الشريعة الإسلامية على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه حفظ كرامتها .
وأكد فضيلة الإمام الأكبر على أن الحياة الزوجية لا تبنى على الحقوق والواجبات ولكن على الود والمحبة والمواقف التي يساند الزوج فيها زوجته وتكون الزوجة فيها سندا لزوجها لبناء أسرة صالحة وقادرة على البناء والإسهام في رقي وتقدم مجتمعها، وتربية أجيال قادرة على البذل والعطاء .
ولهذا اقول
إن استفادة المرأة من حقها في كدها وسعايتها ضمان لها ، وعدم ضياع جهدها الكبير ، في ما تصل إليه الأسرة من استقرار ورخاء ولأن في ذلك تشجيع لها على الاستمرار في هذه الخدمة ، وتحفيز لها على تطوير كفاءاتها ، في إطار مشاركتها للرجل في أعباء الحياة .
مفهوم الكد والسعاية
إذا كان الكد والسعاية في إثبات حق المرأة فى السعاية والكد ، يجب أن يكون لها امتداد في واقعنا المعاصر على المرأة لأنها بدورها تقوم وتتحمل أعباء كبيرة وتقدم تضحيات جمة تسهم في غالب الأحيان في توفير عوائد مادية ومعنوية للزوج والأسرة .
فكل هذا إنصاف لها وصون لجهودها ، خصوصا إذا تم لها هذا الحق في حياة الزوج وخلال فترة الزوجية ، ليس فقط بعد الطلاق أو الوفاة .
ولاشك أن كل ذلك من شأنه أن يرقى بالعلاقة بين الرجل والمرأة إلى أعلى مستوياتها ، وينعكس بالتالي رخاء واستقرارا على الأسرة والمجتمع .