المهرجان القومى للمسرح المصرى يواصل حفريات الوعى الجمالى: بتحولات النصوص وشهادات الكتّاب
المهرجان القومي للمسرح المصرى يواصل حفريات الوعي الجمالي: يوم فكري حافل بتحولات النصوص وشهادات الكتّاب
تقرير_أمجد زاهر
في ثاني أيام فعاليات المحور الفكري المصاحب للدورة الثامنة عشرة من “المهرجان القومي للمسرح المصري”، والذي يُقام تحت عنوان “تحولات الوعي الجمالي في المسرح المصري”، احتضن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة يومًا فكريًا زاخرًا بالنقاشات الحيوية والشهادات الإبداعية، شارك فيه نخبة من الكتّاب والنقاد المسرحيين، بحضور رئيس المهرجان الفنان “محمد رياض”، وبإشراف مباشر من الناقد “أحمد خميس”، رئيس البرنامج الفكري.

الجلسة الأولى: تحولات النص المسرحي المعاصر… تشريح للغة والهوية
أدار الجلسة الأولى الكاتب المسرحي “السيد فهيم”، وشهدت مداخلات نقدية معمقة شارك فيها كل من الدكتور محمود سعيد، وأحمد الملواني، والدكتور رضا عطية، والكاتبة رشا عبد المنعم، الذين قدموا رؤى نقدية وتحليلية حول أزمة النص المسرحي، وتحولاته في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية، والتقنيات الحديثة.
“الدكتور محمود سعيد” استعرض تجربة الكاتب السكندري “ميسرة صلاح الدين”عبر ثلاثية “ترام الرمل”، و”بار الشيخ علي”، و”بير مسعود”، مشيرًا إلى قدرة الكاتب على “مسرحة المكان” واستخدام لهجة أهل الإسكندرية في إطار شعري فني عزّز من عمق النص.
أما الكاتب “أحمد الملواني”، فقد أطلق تحذيرًا من أزمة النص الكوميدي المعاصر، منتقدًا غياب الكتابة الرصينة واعتماد بعض الفرق على النجم والارتجال.
وأكد أن التحولات الكوميدية يجب أن تُقرأ في ضوء تراجع المسرح التجاري عن تقديم رؤية نقدية جادة للمجتمع.

من جانبه، رأى الناقد “رضا عطية” في تجربة الكاتب “محمد أبو السعود ى نموذجًا لما سمّاه بـ”تفكيك البنية التقليدية”، خصوصًا في نصه “6 أشباح تبحث عن ظل”، الذي دمج تقنيات السينما والمؤثرات البصرية والسمعية في بناء درامي غير تقليدي.
“رشا عبد المنعم” قدّمت شهادة نقدية وفنية تحت عنوان “النص المسرحي في المنطقة الرمادية”، وطرحت من خلالها إشكالية النص المسرحي بين الأدب والعرض، مستعرضة تجربتها في نص “المرأة الفراشة”، مؤكدة أن “التمرد على النمطية” هو جوهر العملية الإبداعية، واعتبرت أن الكاتب المسرحي اليوم مطالب بابتكار أشكال جديدة للنص بعيدًا عن قوالب المسرح التقليدية.
الجلسة الثانية: النص المسرحي الجديد… شهادات من القلب
الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور “عبد الكريم الحجراوي” جاءت بعنوان “النص المسرحي الجديد: شهادات وتجارب”، وشارك فيها كتّاب من أجيال ومدارس متنوعة: سامح عثمان، محمد السوري، محمد علي إبراهيم، وصفاء البيلي.

“سامح عثمان”قدّم تجربته من مدخل موسيقي، واصفًا الكتابة بأنها “عزف داخلي”، بدأ من الأغنية وانتهى إلى المسرح، حيث وجد نفسه يُعبّر عن صراعاته النفسية عبر النصوص.
أما الكاتب “محمد علي إبراهيم” فاستعرض رحلته مع الأسطورة والخيال الشعبي، مؤكدًا أن نصه “زمكان” كان تجربة جمعت بين “أمنا الغولة” وكتب الميثولوجيا، ضمن رؤية تعتمد على الأسئلة الكبرى وتوظيف الزمان والمكان داخل البنية الدرامية.
من جانبه، أطلق الكاتب “محمد السوري” صرخة ضد ما وصفه بـ”تهميش الكاتب المسرحي”، معتبرًا أن الظروف الاقتصادية والنقدية الحالية تُحاصر الكاتب، وتُبعد النصوص عن قضايا المجتمع الجوهرية.
وقال في شهادته: “بين مطرقة الإبداع وسندان الواقع، قد نخسر المسرح إذا فقد رسالته الاجتماعية”.

أما “صفاء البيلي”، فتحدّثت عن انتقالها من الشعر إلى المسرح عبر بوابة السير الشعبية، وقدّمت أكثر من 10 نصوص شعرية مسرحية، وانتقدت تيار “ما بعد الدراما” الذي يُفرغ النص من حكاياته ومفرداته، معتبرة أن “الكتابة بلا حكاية تشبه المسرح بلا جمهور”.
الفكر والمسرح: جسد واحد وروح واحدة
هذا اليوم الفكري الثاني من المهرجان لم يكن مجرد جلسات أكاديمية، بل كان نافذة حقيقية على قلق المبدعين وأسئلتهم، وتحولات وعيهم في زمن متسارع.
وكان لافتًا أن الجلستين قدّمتا تنوعًا غنيًا في التجارب والرؤى، من النقد الأكاديمي إلى الاعترافات الذاتية، ومن التحليل إلى الإبداع.
ويُواصل المحور الفكري جلساته حتى 29 يوليو، ضمن أحد عشر لقاءً فكريًا يضيء مسارات التلقي، والهوية المسرحية، وتحولات الصورة والجسد، مؤكدًا أن المسرح في مصر لا يزال ينبض، يراجع ذاته، ويعيد رسم خرائط الجمال في ضوء أسئلة المستقبل.