المودة والرحمة أم الحب… أيهما سبب نجاح العلاقة بين الرجل والمرأة ؟
بقلم: ريهام طارق
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
لماذا خص الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة المودة والرحمة، ولم يقل حبًا؟ سؤال طرق في ذهني وأنا أقرأ هذه الآية الكريمة وكأنها دعوة خفية لنا كي نعيد النظر في مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة بعيدًا عن التصورات الرومانسية المألوفة.
الحب في جوهره شعور عاطفي جارف يتحتل النفس البشرية، يشتعل في بداياته ثم يعتريه الفتور مع مرور الزمن وألفة العِشرة،بينما تأتي المودّة تأتي لتكون التجسيد العملي لمفهوم للحب، فهي اهتمام صادق، وحرص دائم على راحة الشريك، ثم تعلو الرحمة فوق ذلك كله لتشكّل القمّة الإنسانية الأسمى، إذ تتجلّى في لحظات الضعف والمرض والعجز، وفي أوقات الانكسار العاطفي، فتغدو الرحمة الحبل المتين الذي يشدّ أواصر العلاقة ويضمن استمرارها.
ومن هنا ندرك سرّ اختيار الله سبحانه وتعالى {للمودّة والرحمة} بدلًا من الحب، للتأكيد علي أن الحب وحده يعجز عن بناء علاقة قويه، لأن جماله يظهر في البدايات فقط، و مع مرور الوقت يحتاج الحب إلى ما يجدده ويغذّيه و يمنحه الثبات، والقوه، لهذا يأتي دور المودّة والرحمة الرئيسي في العلاقات لتكون هي الامتداد للحب وضمان استمراره ، فهما اليد التي تُمسك عند السقوط، والصدر الذي يحتوي عند الانكسار، والسند الذي يساند ويدعم في لحظات الضعف قبل القوة.
{المودّة والرحمة} هي التي تجلب السعادة والشعور بالأمان من خلال نظرة حانية، أوكلمة دافئة، والصبر على العيوب، والتغافل عن الهفوات، وبذلك يزدهر الحب من جديد كلما سقته المودّة بصدقها، وأظلّته الرحمة برعايتها.
كم من زيجات بدأت بالإعجاب، بالجمال أو المال و بريق المظاهر، وتولّد معه الشعور الحب لكنه تلاشى سريعا تحت وطأة الأزمات وضغوط الحياة، وفي المقابل، كم من زيجات لم يكن الحب الرومانسي شرارتها الأولى، لكنها تأسست على الاحترام المتبادل، والمودة في التعامل، والرحمة في المواقف الصعبة، فعاشت راسخة حتى آخر العمر.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا هل تولّد المودة والرحمة من رحم الحب؟ ام العكس ؟
والإجابة هي: المودة والرحمة هما التربة الخصبة التي ينبت فيها الحب و الرابط الابدي الذي لا تستطيع عواصف الحياه علي قطعه.
احدى صديقاتي كانت لا ترى زوجها فارس الأحلام الذي حلمت به، لكن ما جعلها تتمسك به هو اهتمامه بها وحنانه عليها اثناء مرضها، كان لا ينام إلا بعد أن يطمئن عليها، و يترك عمله كثيرا ليكون بجوارها ويقوم بطهي الطعام بنفسه ، وعملية تنظيف المنزل والاعتناء بابنائهم طوال فترة مرضها بعد أن خاضت هذه التجربة اعترفت لي وقالت: “أيقنت بعد ما رأيت رد فعل زوجي في مرضي أن هذه هي الرحمة التي لا تهزها تقلبات المزاج، وأنها بالنسبه لي أغلي من ارق وأجمل كلمات الحب و الغزل.
وفي قصة أخرى، عاش زوجان أكثر من ثلاثين عامًا معًا لم يكن الحب العاطفي مشتعلاً بينهما كما في بداية الزواج، لكنهما كانا يتعاملان كأصدقاء مقربين، كانت المودة في بساطة أن يُحضِّر لها كوب الشاي كل صباح، وأن تدعو له بصدق قبل خروجه للعمل، رحمة متبادلة جعلت البيت مليئًا بالسكينة رغم قلة الكلمات العاطفية.
روى لي صديقٌ يوماً سبب سرّ حبه العميق لزوجته قائلاً: “لم أكن عاشقًا حين عرفتها، بل كنت أجد راحتي معها فقط في البداية لم أعتقد أنها زوجه مناسبة لي، ظننا مني أنني أستحق الافضل، ولكن القدر أعلن قراره وتزوجنا.
كنت اتصرّف معها في البداية بقسوةٍ وبرود، أتعمّد تجاهلها وجرح مشاعرها، و لأنها كانت تحبني كانت ردودها دائما هادئةً صبرت عليّ واحتوتني في حزني وعصبيتي، شاركتني أدقّ تفاصيل عملي، وقفت بجانبي وقت ضعفي، تستمع إلي كلامي دون ان تشعر بملل، كانت تفهمني من نبرة صوتي قبل أن أنطق بكلمة، كانت تفهمني أكثر مني.
وفي يوم مرضت زوجتي ودخلت المستشفى، كانت تلك المرة الأولي التي تبعد عني فيها، في تلك اللحظة انهار في داخلي كل شيء، حينها أدركت قيمتها وأيقنت أني أحبّها لأنها كانت صديقتي قبل أن تكون حبيبتي، وبعد عودتها إلى المنزل اكتشفت في نفسي رجلاً مختلفًا: رجلاً يحبها ويحترمها، مخلصًا لها وحدها، لا يرى في نساء الأرض غيرها”.
هذه الأمثلة تؤكد أن المودة والرحمة هما الضمان الحقيقي لاستمرار الحب، كثيرون يظنون أن الشرارة الأولى و الانجذاب السريع كفيل بأن يحدد ملامح “الشريك المثالي”، و لكن المثالية لا تُقاس بجمال المظهر أو بحلاوة الكلام، بل تُقاس بصفات تبقى حين يبهت كل شيء جميل.
عزيزي القارئ أبحث عن شريكٍ إذا اختلفت معه لا يهدمك بكلمة جارحة، وإذا ضعفت كان سندًا لك لا عبئًا عليك، وإذا مرضت كان رحيمًا بك قبل أن يكون محبًا لك.
وأنتي يا عزيزتي القارئة ابحثي عن من يُشعرك أن وجودك في حياته نعمة لا عبئ، من يفتخر بوجودك في حياته ويدرك قيمتك جيداً، عن من يشاركك الهم قبل الفرح، هذه السمات هي بذور المودة والرحمة، و التي تجعل البيت مأوى لا ساحة معركة.
في النهاية، العلاقة الناجحة بناء راسخ قاعدته {المودة والرحمة} فالحب يولد من رحم المودة والرحمة مع مرور الأيام، المودة التي تمنح العلاقة الطمأنينة ، والرحمة من تصونها عندما تصطدم بعثرات الحياة وتقدم العمر، واختفاء جمال الملامح والجسم الممشوق ، وخفة الظل.
لذلك حين نبحث عن شريك الحياة، فلننظر أبعد من بريق المشاعر السريعة، ونبحث عن قلب يتقي الله فينا، رحيم بنا ، وروح ودودة تعرف كيف تمنحنا السكينة، وشريك يغفر الأخطاء، ويري عيوبنا مميزات في تلك اللحظه فقط تتحول العلاقه بين الرجل والمرأة من قيد وروتين ممل إلى رحلة ممتعة عنوانها: {وجعلنا بينهم مودة ورحمة}
فلنجعل بيوتنا عامرة بهما، ولنتذكر أن الحب وحده بداية جميلة، و {المودة والرحمة} هي أساس وتفاصيل الحكاية .

نبذة عن الكاتبة
ريهام طارق، صحافية متخصصة في الفن أجرت حوارات صحفية مع أبرز نجوم الفن في العالم العربي، تشغل حاليًا منصب رئيس قسم الفن بجريدة “أسرار المشاهير”، في جمهورية مصر العربية.
بدأت مسيرتها الصحفية في المملكة العربية السعودية عبر جريدة “إبداع”، ثم انتقلت للعمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية المرموقة، من بينها جريدة “المغرد”،”الثائر”في لبنان، وجريدة “النهار”، في المغرب، ومجلة “النهار”،في العراق، نشرت مقالات تحليلية في مجالات السياسة الدولية والاقتصاد، وسوق المال، كما تولّت عضوية اللجنة الإعلامية بالمهرجان القومي للمسرح المصري.