هل تزداد النرجسية مع التقدم بالعمر؟
النرجسية لا تختفي مع التقدم في العمر، بل تتحوّر وتتأقلم مع الظروف الجديدة؛ لتصبح أكثر حزناً وأقل قوة من الناحية الظاهرية، لكنها تظل أشد فتكاً بالنسبة لأقرب الأقربون منه في عائلتة.
يواجه النرجسي المتقدم في العمر أكبر مخاوفه:
فقدان الوقود وفقدان السيطرة على الصورة العامة.
إليك كيف تتجلى الظواهر النرجسية بعد التقدم في العمر، وكيف تتغير إستراتيجياتة؟
تحولات النرجسية مع التقدم في العمر:
يمكن تقسيم مرحلة الشيخوخة النرجسية إلى مسارين رئيسيين بناءً على فقدان الموارد:
المسار الأول:
نرجسية الاكتئاب والعزلة (الانهيار)
عندما يفقد النرجسي الموارد التي اعتمد عليها طوال حياتة، (المال، الجاذبية، القوة المهنية)، يصطدم بالواقع ويحدث ما يسمى “الجرح النرجسي المزمن”.
المرارة والإستياء:
بدلاً من البحث عن حلول، يصبح النرجسي أكثر مرارة وغضباً من العالم ومن الظروف. هو لا يلوم نفسه أبداً، بل يلوم الزمن، المجتمع، الحظ السيئ، أو شريك حياتة على فشله في الاحتفاظ بمكانته.
الإنعزال والعداء:
يُصبح أكثر إنعزالاً لأنه لم يعد يمتلك “الوقود” الذي يجعله لافتاً في التجمعات، لكن هذا الإنعزال ليس سلاماً، بل هو عداء مُتراكم يُفرّغ على أقرب الناس إليه (الشريك والأبناء).
الأمراض الوهْمية:
في هذه المرحلة يستخدم المرض كوسيلة جديدة لإنتزاع الوقود، هو لا يسعى للعلاج بقدر ما يسعى إلى أن يكون محور الإهتمام، مما يجبر الآخرين على الإهتمام به وخدمته (آلية جديدة للسيطرة ).
التعلق القهري بالماضي:
يقضي وقتاً طويلاً في تفخيم ذاته وإبراز أمجادة الماضية، ويقارن الأبناء والواقع الحالي بالماضي “المثالي” الذي عاشه.
المسار الثاني:
نرجسية السيطرة الأخيرة (استنزاف الأسرة)
إذا كان النرجسي لا يزال يحتفظ ببعض مواردة (المال، أو مكانة عائلية)، فإنه يركز جهده على السيطرة على البيئة الداخلية لضمان استمرار تدفق الوقود:
الإستبداد المالي:
يشتد بخله المالي تجاه الشريك والأبناء، يستخدم المال أو الوصية كورقة مساومة أخيرة للتحكم في قرارات الأبناء حتى وهم بالغون. المال هو آخر حصونه.
الهيمنة على الأبناء:
يزيد تدخله في حياة الأبناء البالغين وعلاقاتهم وقراراتهم المهنية، يحاول أن يخلق الدراما والصراع بينهم ليضمن أن يظل هو الـ “حكم” والمحور الذي تدور حوله كل الخلافات العائلية.
البحث عن “الناقل” :
قد يركز على أحد الأبناء (الابن الذهبي) ليصبح “ناقلاً” لغروره. هذا الابن يجب أن يحقق ما فشل فيه النرجسي، ويُستخدم كأداة للتباهي الاجتماعي، بينما يتم تهميش باقي الأبناء.
كيف يتغير التعامل مع شريك العلاقة؟
شريك الحياة الذي يبقى مع النرجسي المسن يواجه تحديات مختلفة:
زيادة التبعية، نقص القيمة:
يصبح النرجسي أكثر إعتماداً على شريكه في الخدمات اليومية، لكنه في الوقت ذاته يقلل من قيمة هذا الشريك. العلاقة تصبح خدمة بلا مقابل ولا اعتراف بأي جميل ولا أي تقدير حتى لو انفقت روحك لأجله.
تصعيد الغضب النرجسي:
بسبب الشعور المتزايد بالعجز وفقدان السيطرة الخارجية، يصبح الغضب النرجسي أكثر تكراراً وشدة، لأنه آخر سلاح يمتلكه لفرض إرادته.
الإستغلال العاطفي المُركّز:
يصبح النرجسي ماكينة استنزاف عاطفي مُركزة، أي تفاعل يجب أن يدور حوله، ورفض ذلك يُقابَل بإحساس عميق بالذنب.
في الختام :
النرجسية في الكبر حرب باردة على الذات، النرجسي لا يهدأ، لكنه يغير ساحة المعركة، من ساحة العمل والمجتمع إلى ساحة المنزل والأسرة، يُصبح الهدف الرئيسي هو الإستمرار في تلقي الوقود بشتى الطرق وتأمين السيطرة المطلقة على البيئة المتبقية له أو بمعنى آخر المضطرة للبقاء معه.
د. ماجدة أحمد
العائلة النرجسية
النرجسيين بعد تقدم العمر

