الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيرية د/أحمد مقلد
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيرية تغيرت وقائعها في لمح البصرفي كل لحظة من أيامنا تتعاقب الحوارات وتتغير الموضوعات ولكن في فهمنا لمراد الله من واقع كتاب الله المعظم (القرآن الكريم)، نجد مع كل قرآن تبصرة ورؤية متعمقة
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيرية
سامحوني على نقل رؤيتي وتفسيري، وفق ما أحسست به وشعرت به مع بعض آيات من “سورة النمل” لذا حين تفقد نبي الله سليمان الطير قال (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) “سورة النمل الآية 20”.لكون غيابه بدون عذر أو توضيح لسببه حدد له نبي الله العقوبة الرادعة فقال (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) “سورة النمل الآية 21″، وحين وجد العقوبة كان هناك فرصة للصفح فأستثني العقوبة بسبب الغياب بدون عذر مقبول بقوله (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) أي أن يكون لديه سبب قوي يمنعه من الحضور.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيريةوسيدنا سليمان
جاء الهدهد وتم إخباره بتهديد سيدنا سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم، وذلك التهديد كان في وسط جميع الحضور لإجتماع نبي الله سليمان، فلم يتراخى حين كان يجب السرعة لنيل رضا نبي الله، والذي هو موصول برضا الله ولبيان سبب عدم استحقاقه للعقوبة فذهب ليوضح سبب الغياب، وليكون حواره مباشر مع نبي الله فقد كان مجلسه غير بعيد وقد وصف القرآن الكريم المشهد فقيل في الآية الكريمة (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) “سورة النمل الآية 22”.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيريةفمهد الهدهد الخبر لنبي الله قبل أن يدخل في الحوار الأساسي وذلك حتى يوضح السبب القوي للغياب ووضح له أن سبب غيابه له سبب جوهري لكونه لاحظ مشهد غير متوقع في بلاد سبأ (أقدم مملكة يمنية)
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيري واستنكارالهدهد مشهد التعبد لغير الله
فاستنكر الهدهد مشهد التعبد لغير الله والتوجه لعبادة الشمس من دون الله رغم ما أنعم الله به عليهم من الخيرات ونسب هذا الفعل للشيطان فهو السبب في الإغواء بقوله (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ (26) ” سورة النمل”.
ومع تصاعد المشهد وللتثبت من صدق الهدهد لصعوبة تصديق هذا السلوك وخروجه عن نطاق الفطرة لكون الشمس من خلق الله لذا أصدر سيدنا سليمان أمره فقال (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) ” سورة النمل”.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيرية
الملكة أن تغري سيدنا سليمان بالمال
كان منطق الملكة أن تغري سيدنا سليمان بالمال عسى أن يتركها في شأنها وما تعبد فأرسلت بهديتها ولكن كان رد الفعل شديد لكون القول والفعل لا يحتمل فكان وصف المشهد كما صورته آيات القرآن الكريم (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (سورة النمل الآية 36) أمر سيدنا سليمان بإعادتهم لهديتهم للملكة وإعلامها بأنه سيجهز جيش جرار ليدافع عن العقيدة السليمة إن لم يعودوا عن ضلالتهم، وطلب من جند الله المسخرة له بأمر الله وحوله وقوته أن يتم نقل عرش الملكة المصنوع من الذهب، والمرصع بالجواهر وذلك ليكون دليل قدرة على الإعجاز.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيريةو معجزات الأنبياء
قيل أن كل نبي جاء بآيات ترد كيد من حوله من المشككين، وتوضح قدرة الله المعجزة لقدرة من اتخذ مع الله شريك في الحكم لذا كان السحر آية لسيدنا موسى حين تحولت العصا إلى ثعبان مهيب لإخافة سحرة فرعون، وكان سيدنا عيسى معجزة في الطب فكان يبري الأكمه والأبرص وذوي العلة لكون الطب كان هو السائد في قومه، وكان نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم معجزة بلغته العربية وتعبيراته وبكتاب الله وسنته رغم علم الجميع أنه لم ينال التعليم الذي يمنحه القدرة لهذا الفعل، فهو النبي الأمي سيد البشر وصاحب الرسالة الخاتمة، ورغم فصاحة العرب في اللغة ووجود أصحاب علوم اللغة ومن بلغ من المعرفة بأصولها وقواعدها حتى أنهم كانوا يتبارون في الشعر والنثر.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيرية ومعجزات الأنبياء وشكر سيدنا سليمان لله تعالى
مع عودتنا لمشهد إحضار العرش من أرض اليمن إلى مقر حكم سيدنا سليمان وحين تم إحضار العرش في لمح البصر، لم ينسب نبي الله سليمان الفعل لقدرته بل تذكر فضل الله عليه وشكر له نعمته، وتذكر أن الله قد منحه هذه النعم لبيان هل يتم شكر النعمة أم لا والشكر هنا بمعنى الحمد لله على بلوغ النعمة، ومن لم يحمد لله على نعمه يكون قد كفر بنعم الله عليه رغم كون الله ليس في حاجة لأحد أو أي فعل من أي شخص، فكانت الآيات القرآنية موضحة لجوانب المشهد وبيان العلم المسبق بإسلام ملكة سبأ وقومها كما يلي (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) “سورة النمل”.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيريةوإسلام ملكة سبأ
مع قرب وصول ملكة سبأ (الملكة بلقيس) لأرض سيدنا سليمان فطلب من جنوده تنكير وإجراء بعض التعديلات على شكل العرش، وحين وصلت كان على سيدنا سليمان أن يعرفها ميزان القوة والقدرة، وفي طريق سيرهم طلب منها أن تتعرف على شكل العرش هل يشبه عرشها فقالت أنه يشبهه، وبالطبع كان عنادهم نابع من كفرهم وصدهم عن دين وشرع الله وكان طبع قوم ملكة سبأ هو الكفر، ولزيادة اليقين بقدرة الله وما منحه لنبي الله من علم ومعرفة طلب سيدنا سليمان منها أن تدخل الصرح، وفي طريق دخولها حسبته بركة مياه فشمرت جزء من ملابسها حتى لا تلامس الماء الجاري فقال لها نبي الله لستي في حاجة لهذا الفعل فهو صرح مبني بطبقات من الزجاج النقي، والذي يجري من تحته الماء بشكل جميل يفوق الخيال، وهنا أعلنت أنه لا مجال للإستمرار في العناد والكفر فأعلنت فساد عقيدتها وحقيقة ظلمها لنفسها بعبادة غير الله وهو المستحق وحده للعبادة ولم تكتفي بذلك بل أعلنت إسلامها مع نبي الله سليمان.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيريةوتوضيح المشهد كما حدث ومن واقع القرآن الكريم
في هذه الآيات الكريمة (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) “سورة النمل”.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيريةواختلاف ميزان القدرة والعبرة
في هذه اللحظة ومع وضوح إختلاف ميزان القدرة والعبرة لما يملكه سيدنا سليمان من إيمان يقيني في مقابل ما يملكه منكري وجوده رغم ما منحهم الله من خيرات لا ينسبوها إليه فكان هذا المشهد مستغرب لدي الهدهد وهو طائر مخلوق ومؤمن بالله، لذا تعجب كيف يكون هناك من يعبد غير الله، لذا حين دعاهم سيدنا سليمان للزيارة خافوا وحين أرادوا التدليس والإغواء بالهدية ردها إليهم، وذلك لكون أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وحين حضرت بلقيس بموكبها وزخرفها أمنت حينما رأت آيات الله، وكان الدعاء بالحمد دائم والشكر واجب لكون منح الله دائمة وعطاياه مستمرة.
الهدهد شاهد رؤية في واقعة مصيرية
ندعو الجميع للتدبر فيما منحه الله لنا من علم ومعرفة تتضح من خلال القصص والعبر الواردة بالقرآن الكريم لكون الغرض منها العظة وليس التسلية.