الهدية مصيدة القلوب وتزيل الجفاء والوحشه

دكتور/ عادل المراغي
للهدية أثر عجيب وعميق في نفوس الناس فبها يزول الجفاء والوحشة، وبها ترق القلوب، وتصفو النفوس، وتزداد المودة والألفة، وينموا الحب، وتوثق الروابط، وفي عميق أثر الهدية في النفوس
يقول الشاعر:-
هدايـا النـاس بعضهم لبعض
تولد فـي قلوبهم الوصال
وتزرع في الضمير هوى وودًا
وتكسوك المهابة والجلالا
مصائد للقلوب بغير كد
وتمنحك المحبة والجمالا

وللهدية ثمرات دانية القطاف منها:-
زيادة المودة والمحبة واستمالة المحبوب، وإزالة الجفوة و إزالة الأحقاد والضغائن وشحذ الهمم ورد الجميل و ترسيخ العلاقات بجميع أشكالها و استرضاء الغضبان ودفع المكروه و اتقاء الشرور والمحذور ،والوصول إلى الأمنيات و صناعة صداقات جديدة و علاج للكثير من أمراض القلوب و علاج لمشكلات، ودفع لعداوات.
وتعد الهدية رسول خير ومظهر حب ووسيلة قربي ومبعث أنس،وهي تقرب البعيد وتصل المقطوع وتشق جسور الحب إلي النفوس وطريق نعبر عليه لتأليف القلوب النافرة وهي جزء من النظام الإجتماعي لها أثر عجيب في غرس أشجار المحبة وزرع نبات المودة في القلوب وهي طاردة للحقد والكراهية
قال الشاعر:-
إذا دخل الهدية دار قوم
تطايرت العداوة من كواها

والهدية هي السحر الحلال الذي يغزو القلوب ويسحر الألباب لأن النفس البشرية جبلت علي حب من أحسن إليها
قال الشاعر:-
‏إنّ الهدية حلوة
كالسحر تجتلب القلوبا
تدني البغيض من الهوى
حتى تصيره قريبا
وتعيد مضغن العداوة
بعد نفرته حبيبا

ولأهمية الهدية في في بناء جسور المحبة وزرع أشجار المودة حرص الإسلام علي الهدية ورغب فيها ،ولما أرادت بلقيس أن تخطب ود سليمان عليه السلام أرسلت إليه هدية قال تعالي علي لسانها في سورة النمل
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)
والهدية تدفع مصائب الدنيا كما أن الصدقة تدفع مصائب الدنيا والآخرة،
وهي أيضا تفتح منافذ القلوب كما في حديث البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تهادوا تحابوا)
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم ـ يهدي، ويقبل الهدية ـ القليل والكثير ـ، ويثيب عليها، ويرغب فيها، وكان يقول: ( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أو كراع لَقَبِلْتُ ) رواه البخاري، والكراع: مستدق الساق من الغنم والبقر العاري من اللحم .
قال ابن بطال: ” حض منه لأمته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتَحابِ، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئاً مما يُهدى إليه أو يدعى إليه، لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المُهدى، وإنما أشار بالكُراع إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية ” .
ورغب النساء في الإكثار من الهدية لجاراتها حتي يسود الحب ويبسط الود جناحيه
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (يا نساء المسلمات، لا تَحقرنَّ جارة لجارتها، ولو فِرسِن شاة))؛ متفق عليه.
قال الجوهري: الفِرسن من البعير: كالحافر من الدابة، قال: ربما استُعير في الشاة.
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث حثَّ على الهدية للجار ولو شيئًا قليلًا، قال: (ولو فِرسِن شَاة)).
الفرسن: ما يكون في ظِلف الشاة، وهو شيء يسير زهيد، وقد جاء عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إذا طبخت مَرقة، فأكثر ماءها وتعاهَد جيرانك)
حتى المرق إذا أعطيته جيرانك هديةً، فإنك تُثاب على ذلك.
ولقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهديا من الملوك من غير المسلمين فقبلها من المقوقس لما أهدي له مارية القبطية وولدت له إبراهيم
وقد طبق الصحابة هذا الهدي النبوي في الهدية رغبة في هداية الخلق فكان ابن عمر رضي الله عنه لا يذبح شاة إلا أهدي لجاره اليهودي منها .
ومن أدب العلماء في هذا الباب أن الحسن بن عمارة بلغه أن الأعمش العالم الكبير وقع فيه وذكره بسوء،فبعث إليه الحسن بكسوة وهدايا فلما قبلها الأعمش صار يمدحه في كل مجلس فقيل له:- كيف كنت تذمه ثم تمدحه؟!
فقال الأعمش (إن القلوب جبلت علي حب من أحسن إليها)
فطبيعة الناس
تنجذب إلي من أهدي إليها وصنع لها معروفا ،فالهدية طريق معبد لقلوب الخلق .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.