الهوس الجنوني بالشهرة هو مرض مُكتمل الأركان
بقلم المؤرخ الفني / د. أحمد عبد الصبور
السعي نحو التميز وحب الظهور غاية الإنسان منذ القدم ، فهناك دائماً حالة من التنافس في سبيل بلوغ الأفضل ، ولعل هذا سر من أسرار تطور وتقدم البشرية مع التغير الدائم في معايير هذا التميز المنشود .
ولأن لكل عصر مظاهره وصوره الإجتماعية السائدة ، تختلف معطيات هذا التميز والظهور وتتطور تبعاً للتغيرات التي يمر بها المجتمع .
لكن يبدو أنها أنتجت حالة خاصة تنتشر على نطاق واسع بفعل تأثير مواقع التواصل الإجتماعي التي خلفت صوراً نموذجية ومعايير إجتماعية تركز على المظاهر ، وكثيراً ما تكون مرهقة نفسياً ومعنوياً بالنسبة للكثيرين ، عدا عن كونها غير حقيقة وغير مرتبطة بالمعايير الذاتية التي قد تهمّ الشخص نفسه .
إنّ حب الشهرة يعتبر بحسب علماء النفس داءٌ يفتك بصاحبه قبل أن يفتك بغيره ؛ كونه ينطلق من مبدأ حب الذات وتقديم كل ما قد يعتبره جيد بالنسبة له دون التفكير بشخص آخر أو متطلبات أخرى ، ما قد يؤدي إلى خسارة الكثير من الحياة من الناحيتين الإجتماعية والإقتصادية .
ولا شك أن كثرة مواقع التواصل الإجتماعي وسهولة إيصال أي فكرة يريدها الفرد بأسرع وقت ممكن ، زادت من هوس الشهرة ومن إمكانية الوقوع فيه في أي ظرف ، لا سيما وإن أي مقطع فيديو قد ينشر يمكن أن يتم التداول به بسرعة قياسية لأكبر عدد ممكن من الاشخاص ومشاركته مع عدد كبير من المتابعين ، ما يفتح آفاق الشهرة على مصراعيها .
ولكن ما يجب أن نعرفه انّه حين تتحول الشهرة إلى هوس حقيقي ويصبح حياة الإنسان مرتبطاً بها فقط … !!! وفي حال الفشل يدخل الشخص في حالة من الإكتئاب الشديد … عندها من المفضل إستشارة أخصائي نفسي للتخفيف من حدة هوس الشهرة ، والذي يمكن بسببه الشخص أن يبني الكثير من الأحلام الواهمة ولا يعود متصلاً بالواقع .
أن بعض الأشخاص خرجوا من الجاذبية الأرضية وحلقوا في هوس الشهرة والسعي إلى الظهور مهما كانت الحسابات قاسية أو قاضية !!! قد يكون أحياناً « الهوس » مرضاً نفسياً ويحتاج إلى علاج !
السمة الظاهرة اليوم للعيان هي « هوس الشباب بالشهرة » مهما كلفهم هذا الأمر من ضريبة تدفع من سمعتهم وأشخاصهم !
ما أحلى « الشهرة التراكمية المدروسة الطبيعية » كما شاهدناها في الحياة !
ولكن للأسف يشهد الوطن العربي اليوم أمراضاً مختلفة باتت تؤرقه ، وتجعل من أفراده يعيشون الوهم والإبتعاد عن الحقيقة والواقع ؛ ومن تلك الأمراض الخطيرة : مرض جنون الشهرة عبر برامج التواصل الإجتماعي … إنَّ الشهرة في حد ذاتها ليست عيباً إذا سعى إليها الإنسان مستنداً للعلم والفهم والثقافة العامة التي من شأنها أن تنشر الخير والبركة للمجتمع وأفراده .
فمن أهم فوائدها : الوصول لقلوب الناس بسهولة ويُسر، وتكوين علاقات إجتماعية واسعة وكسب المكانة والمقام المحمود بين الناس ، ولكن شرط أن تكون بهدف إزدهار المجتمع وتوعيته ، وإخراجه من الظلمات إلى النور .
لكنْ من المُؤسِف عندما نرى من يبحث عن الشهرة السريعة والمزيفة من خلال المشاركات المريضة التي يعتمد أصحابها على إستخفاف عقول الناس وعدم إحترام التقاليد الإجتماعية والدينية للمجتمع البشري ؛ وذلك بهدف الحصول على أكبر عدد من المشاهدات والإعجابات ، فهنا تُخيِّم سلبيات الشهرة الزائفة والسريعة على أصحابها ، ومن تلك السلبيات أنها تسلبهم أوقاتهم فتكون ملكاً للمعجبين بهم ، فيصبحون ويُمسون مراقبين من الإعلام والمعجبين .
لقد أصبحت الأمتان العربية والإسلامية تُعانيان ممن يلهثون وراء الشهرة السريعة وحب الظهور دون مراعاة الأخلاق والأعراف الدينية والإجتماعية ، محاولين الظهور بثوب لا صلة له بهويتهم الإجتماعية ، ومن أجل تلك الشهرة المجنونة يتنازلون عن مبادئهم وقيمهم الإجتماعية والإنسانية … عندما يثير هؤلاء الضجة الإعلامية الزائفة فهم يطبقون مقولة ” خالف تُعرف ” ، فيعملون بصورة مخالفة ومغايرة للحقائق الإجتماعية العامة ؛ بهدف الوصول لأهدافهم ؛ التي من أهمها : كسب المال والسمعة ؛ فهم بلا شك يسيرون بأفعالهم هذه إلى عالم كبير من التنازلات الدينية والإجتماعية وينسلخون عن هويتهم الإجتماعية .
هؤلاء عليهم أن يراجعوا أنفسهم وكل ما قدموه ويقدموه للمجتمع من إشاعات وسخافات وترهات وأباطيل لا صحة لها في كثير من الأحيان … نعم ، لا مانع من الشهرة ، ولكن ضمن العقل والمنطق دون المساس بالمبادئ والقيم الإجتماعية والدينية التي هي أساس المجتمعات البشرية الواعية .
يعتبر هوس الشهرة من الأمراض المتفشية في مجتمعنا العربي خاصة في الآونة الأخيرة ، وأصبح من المخاطر الجسيمة التي تهدد بقاء نجاح رموز عديدة … وهذا ما وقع فيه بعض الفنانين !!! خاصة الذين لم يشاركوا في أعمال فنية في الفترة الأخيرة ، فلجأوا لعمل برامج وفيديوهات على صفحات السوشيال ميديا … وللأسف أغلبها لا تحمل معنى أو هدف … !!!
الأغرب من ذلك … بل والمثير للدهشة ظهور البعض منهم في أماكن عامة ويسيىء التصرف في التعامل مع بعض المنتقدين من الجمهور لتلك الفيديوهات … !!!
وهذا أن دل … فيدل على إضطراب الشخصية الهوسية الذي لم يأت من فراغ ، فيعد حب الظهور والشهرة من الحاجات النفسية مثلها مثل الحاجة البيولوجية والإجتماعية .
وهؤلاء الفنانين يعتبرون من أصحاب الشخصية النرجسية التي تتصرف بشكل متعجرف ومتغطرس ويبدو عليهم الغرور فيصبح هنا الغرور هو شعور بالنقص وليس ثقة في النفس ويتواري في ثوب التكبر ، فالغرور الذي أصابهم لا يؤلمهم بل يؤلم من حولهم ويزعجهم مما يسبب في نفور المعجبين منهم .
ونرى في علم النفس … أن تصرف بعض هولاء الفنانين كان مصحوب بإحساس عالي من التعالي والتكبر نتيجة شحنة موجبة أصابتهم نسيوا فيها حقيقة مرضهم بالشهرة ولم يفقوا منها سوى بصدمة ليرجعوا فيها إلى طبيعتهم .
وهذا نتج عندما غضب الجمهور من بعض الفنانين وشن هجوماً عليهم … فبادر بعض الفنانين بالإعتذار خاصة عندما تعرضوا بعدها لنقد لاذع من جماهيرهم .
كل هؤلاء الفنانين اللذين خسروا شريحة من جمهورهم بسبب الغرور الزائد وهوس الشهرة جعلهم يلجأون إلى طرق غير مقبولة عند تعاملاتهم مع جمهورهم ومن حولهم يكونوا حينها مرتدين قناع لواقع نفسي خفي لا يكشفونه لأحد ، فهذا إنعكاس بتضخم ” الأنا ” الذي يؤدي إلى حب الظهور ويصل به الحال إلى تحقيره للآخرين ليرضي ذاته فيصبح هناك صراع بين الأنا الحقيقية وأنا الشهرة التي يستخدم فيها حيل وأساليب تتناسب مع وضعه الجديد كفنان فيفضحه موقف يظهر فيه إضطراب شخصيته فيتسبب له في إبتعاد الناس عنه وتعرضه للنقد بسبب الأقنعة الغير سوية التي يرتديها ، فهوس الشهرة كالمرض يصيب الإنسان بالغرور والتكبر ويفقده حب من حوله ونفورهم له .
إن الطبيعة البشرية قائمة على حُب الأضواء ، ونَيل الإطراء والثناء ، والحصول على الشهرة … والإنسان يطمح أن يُشار إليه بالبنان ، ويُصبح أشهر مِن نار على عَلَم ( جبل ) … والإنسان إجتماعي بطبعه وغريزته ، وإبن بيئته … ولا يَقْدِر على التحرر من أثر بيئته وتأثير الناس حَوْله ، سواءٌ أرادَ ذلك أَم لَم يُرده … وهو يعتبر إهتمام الناس بِه تقديراً لحياته ، وإحتراماً لفكره ، وإشادةً بإنجازاته .
لكن المشكلة حين تتحوَّل الحقيقة إلى وهم ، وتُصبح الشهرة غايةً قائمة بذاتها ، يُبذَل في سبيلها الغالي والنفيس ، ويتم إعتبارها هي الكمال المُطْلق للإنسان ، وبدونها لا معنى لوجود الإنسان . وهذا الهوس الجنوني بالشهرة هو مرض مُكتمل الأركان ، ووهم قاتل ، ورغبة مُتماهية مع الخرافة .