انت من علمتنى .. قصة قصيرة رائعة للكاتب الشاب “مصطفى حسن سليم”

أنت الذي علمتني ذلك
قصة قصيرة…. بقلم مصطفى حسن محمد سليم
أسدل الليل ستائره الثقيلة ،وبدت تلك الليلة وكأنها قطعة من الجحيم بالنسبة إلي دسوقي ،الذى وقف بين شواهد القبور ينظر إلى ساعته المضيئة في توتر وعصبية ،ثم يلتفت إلى القبر الذي يقف بجانبه وكأنه يخشي أن يخرج منه صاحبه وينقض عليه، ثم التفت مرة اخري إلى نهاية الطريق وينظر إلي ساعته ،ومرت الدقائق بطيئة حتي بدا ضوء كشاف عربة يقترب من مكانه وتوقفت العربة بمسافة ليست بعيدة عنه، ونزل منها شاب لم يتجاوز العقد الثاني من عمره سوي ببضع سنوات قليلة، وأسرع الخطي نحوه وهو يقول له بصوت يحمل الكثير من التوتر .هل أنت جاهز ؟
فقال له دسوقى نعم لن يستغرق الأمر سوي دقائق وينتهي ، ثم أزاح باب القبر وهبط درجات السلم داخل القبر ،لم يخشي فى أي مرة من المرات نزول القبر سوي هذه المرة، لم يكن يخيفه الليل ورهبته وألجو الذي يحيط به ولكن مابداخل القبر كان يخشاه، ليست تلك الجثث ألكثيرة التي بداخله والتي تحولت إلى هياكل عظمية ،ولكن هى تلك الجثة التي تتوسطهم جثة ذلك الرجل العجوز ،كانت كل درجة يهبطها تمزق نياط قلبه لكن ماباليد حيلة ،أنه المال والحكمة التي وضعها ابيه في عقله (الحي أبقي من ألميت) تلك الحكمة أخذت تترددفي أذنيه وهو يهبط درجات السلم ألي أسفل ،ثم توقف أمام ذلك الجسد المسجي أمامه، وأخذت بعض الأحداث تدور بداخل راسه في سرعة وتتابع ،كانت طفولته ليست مثل كل الأطفال لقد تربي داخل المقابر لم يُشَاهَد يلعب مثل كل الأطفال، ولم يهده أحد لعبة في يوما من الأيام  لعبه ،بل تربي علي صراخ النساء وبكاء الرجال الذين يحضرون إلي المقابر لدفن موتاهم ،ولم يتعلم في أي مرحلة من مراحل العمر ،ولم يحصل علي أي شهادة ولكنه ذكي بالفطرة ،كان أكبر اخوته لذلك كان يساعد والده في كل شئ، وكانت أول مرة يشاهد والده وهو يسرق جثة من أحد المقابر وسأله لماذا يفعل ذلك؟
فقال له في كل براءة ولماذا لاأفعل ذلك، أن مهنتي كحانوتي لاتستطيع أن تطعمنا أوتعطينا المال ألذي نقتات به ،فلماذ لانقوم بهذا العمل الذي يدر علينا ربح، ثم اننا لانضر أحد أنهم اموات، فقال له في دهشة ولكن هذه سرقة ثم أنه حرام، فرد عليه في غضب أن الحي أبقي من الميت، ولوكان أبي هو الميت لسرقت جثته ،وأفاق علي يد تربت علي كتفه فانتفض جسده في رعب، واستدار إلي الخلف فوجد الشاب الذي حضر الي شراء الجثة منه ،فقال الشاب لقد قلت أن الأمر لن يستغرق سوي دقائق ولكنك مكثت أكثر من نصف ساعة، فقال له اعذرني فتلك الجثة عزيزة علي فأنها تكون لي…وغمغم في خفوت حتي أنه لم يسمعه ذلك ألشاب وهو يقول أنها لوالدي، ثم حمل الجثة وأودعها صندوق سيارة ذلك الشاب وهو يبكي من داخله، وسرعان مانقده ذلك الشاب النقود وأنصرف مسرعا، وأخذ ينظر إلى العربة التي لم تختفي عن ناظره، وهو يقول سامحني ياأبى أنت ألذي علمتني ذلك ،وأنتبه علي صوت ولده الصغير وهو يقول له لماذا فعلت ذلك يا أبى؟
وفي هذه أللحظة سقط علي الأرض مغشيا عليه، وأقترب منه ولده فوجده جثة هامدة ومازال السؤال يتردد بداخل رأسه لماذا فعل أبيه ذلك.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.