انهيار منزل الطفولة يُعيد فتح جراح الماضى: نور الشريف.. فتى السيدة زينب الذى هزم اليُتم بالموهبة
قصة حياة محفوفة بالألم والأمل من قلب الحارة إلى قلوب الملايين
انهيار منزل الطفولة يُعيد فتح جراح الماضى: نور الشريف.. فتى السيدة زينب الذى هزم اليُتم بالموهبة
قصة حياة محفوفة بالألم والأمل من قلب الحارة إلى قلوب الملايين
تقرير_أمجد زاهر
في صباح حزين تخلله صوت الحطام، استيقظت القاهرة على خبر مؤلم: انهيار العقار الذي نشأ فيه الفنان الراحل “نور الشريف”بحي السيدة زينب.
هذا العقار لم يكن مجرد جدران وأدوار، بل كان شاهدًا على “أول دمعة حزن، وأول حلم صغير لفتى يتيم لم يعرف أن الدنيا قد كتبت له طريقًا مختلفًا منذ لحظاته الأولى”.

■ صدمة الطفولة: حين كشف المدرس الحقيقة
بدأت المأساة مبكرًا في حياة نور الشريف، حين كان لا يزال صبيًا صغيرًا يجوب الأزقة بعيون واسعة وفضول لا ينتهي.
تربى وهو يعتقد أن عمه هو والده، لكن الحقيقة ظهرت فجأة في موقف درامي يشبه مشاهد السينما التي أصبح فيما بعد أحد عمالقتها.
“في أحد أيام المدرسة، نادت المعلمة على الطفل “نور محمد” بدلاً من اسمه المعتاد، فاستغرب الطفل وسأل، لتُكشف له الحقيقة: “أبوك توفي وأنت رضيع، وهذا الذي يعيش معك هو عمك، وليس والدك”.
كانت تلك الصدمة الأولى التي كسرت براءته، لكنها – بمرور الوقت – صنعت جزءًا من صلابته الإنسانية والفنية.

■ حارة السيدة زينب.. مسرح البدايات
نشأ نور الشريف وسط أسرة بسيطة، بالكاد تستطيع توفير احتياجات الحياة اليومية.
لم يكن هناك تلفاز، أو نوافذ مفتوحة على الترف، بل حوائط باهتة، وأرض صلبة، وأحلام طفل صغير يبحث عن ذاته.
كانت “كرة القدم” ملاذه الأول، فكون فريقًا مع أصدقائه في الحارة، أطلقوا عليه لقب “الأسد المرعب”، وكان طموحه أن يصبح لاعبًا في أحد الأندية الكبرى.
بالفعل انضم إلى “ناشئي نادي الزمالك”خلال المرحلة الإعدادية، لكن الأحوال الاقتصادية الصعبة حالت دون استكمال المسيرة الرياضية، ووجد في الفن مأوى جديدًا، تمامًا كما وجد في كرة القدم خلاصًا من الألم.
■ من شظف العيش إلى أعمدة المجد
بعد محاولات عديدة، التحق نور الشريف بمعهد الفنون المسرحية، وهناك بدأت ملامح النجم تتشكل شيئًا فشيئًا.
لم تكن طريقه مفروشة بالورود، لكنه امتلك “موهبة صادقة، وملامح إنسانية جعلت منه فنانًا يشبه الناس، يحكي عنهم، ويحزن لأجلهم”.
بدأ بأدوار صغيرة، حتى انفجرت موهبته في أعمال خالدة مثل “لن أعيش في جلباب أبي” و*”العار”و”الرحايا” و”حضرة المتهم أبي” و ” الرجل الآخر” .

■ انهيار العقار.. نهاية رمزية لمسرح الحياة
اليوم، ومع انهيار منزل طفولته في حي السيدة زينب، لا يسقط مجرد بناء قديم، بل يسقط جزء من ذاكرة فنية وإنسانية شكلت وجدان المصريين والعرب.
الحارة التي احتضنت أول آلامه، وآخر ضحكاته كطفل، انتهت ماديًا، لكنها “ستبقى معنويًا محفورة في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون”.
■ نور الشريف: أيقونة تجاوزت المأساة
رغم اليتم والفقر والبدايات القاسية، لم يسمح نور الشريف لتلك الظروف أن تحصره في دائرة الحزن.
بل حوّل أوجاعه إلى طاقة إبداعية، وجعل من ماضيه وقودًا لمسيرة فنية نادرة.
إنه نموذج لإنسان تجاوز الظروف، وسار في طريق طويل بدأ بـ”الألم” وانتهى بـ”الخلود” في قلوب الملايين.
واليوم، رغم انهيار المنزل، فإن نور الشريف لا يسقط.. بل يظل شامخًا في ذاكرة الوطن، كما بقيت أحلامه فوق الأنقاض، شاهدة على رجل لم يرَ شيئًا في البداية.. لكنه رأى كل شيء في النهاية.