بائعة المريمية بين شموخ المقاومة وتعرية الكيان … بقلم: عبده حسين إمام
بائعة المريمية
بين شموخ المقاومة وتعرية الكيان
بقلم: عبده حسين إمام
لم يبق من عناصر الصمود في مواجهة المحتل سوى المقاومة والرفض الشعبي أمام تطبيع من الأنظمة وآلة إعلامية عالمية تردد على مسامع العالم الاباطيل. وانحسار لصوت الحق الداعي للعدالة والاستحقاق.
وفي ظلال مقاومة تستند على عقيدة وطنية مخلصة فقد تقلص نفوذ العدو وتقهقر مغلوبا منهزما يطأطئ رأس كبريائه الكذاب.
ولنا أن نقارن بين مساحة ما احتله العدو في 67 وما آلت اليه الأوضاع تدريجيا بنصر أكتوبر ثم انسحابه من جنوب لبنان ثم انكشافه المخزي في يوم الطوفان العظيم في السابع من أكتوبر.
تأتي رواية بائعة المريمية للكاتبة هالة المهدي تسجيلا أدبيا شامخا مرهفا معبرا من قلب الحدث قريبا من صراعات في قلب الصراع وأتونه الملتهبة.
سلمى بائعة المريمية الفتاة الفلسطينية المكافحة الشاهدة على شموخ الحق الفلسطيني وعلى صلابة العنصر الفلسطيني الذي طالما تاجر بأوجاعه ساسة وأقلام ومنصات إعلامية مضللة عربيا وعالميا.
وفي السياق التاريخي يختلف تناول منظور القضية الفلسطينية
حيث أن ما أرخه أدبيا غسان كنفاني في رواية رجال في الشمس في أوج الصراع وبداياته وإبراز حالة الشتات ومرارة الرحيل بعد تعالي الصلف الإسرائيلي وهمجية عدوان تجرد من شتى بواعث الإنسانية.
تطل علينا بائعة المريمية في واقع فلسطيني عربي شديد المرارة بعد ان تبلور الصراع وانكشفت جميع الأقنعة لتصف الرواية بقايا شعب صامد أبى ألا يترك أرضه ولو بالروح ولو بالدم في تدليل على افتراءات العدو بأنهم باعوا أراضيهم وإطلاق الشائعات التي تم تداولها حتى من أشقائهم العرب
المزيد من المشاركات
نقلتنا الكاتبة الى داخل الكيبوتز لتصف في سرد متقن كل تفاصيل المكان وأديباته من مرج الزيتون، حقول المريمية، بيوت الفلسطينيين البسيطة، قهر الاحتلال، قيود التنقل بين الأماكن.
الطقوس الاجتماعية للعائلات الفلسطينية في الأفراح والاحتفالات بالعرس و المواليد الجدد والخطبة والزواج في إطار مجتمع عربي يحافظ على هويته تحت وطأة احتلال يسعى لطمث الهوية العربية بشتى السبل من هدم المنازل محاصرة الفدائيين واقتناصهم زرع الخونة في داخل النسيج العربي.
ريانة وسعادات جيل الصمد الأول الذي رأى المذابح وشهد استعلاء الاحتلال في غفلة من التاريخ ورغم اختلاف مساحة الشخصيتين في الرواية إلا أن حضورهما كان بارزا سويا في تأكيد من الكاتبة على دور المرأة الفلسطينية المحوري في صناعة الأبطال وإدارة الحياة في ظل القهر والحصار وانعدام الإمكانيات
وعن الروعة والمرارة والكبرياء والألم في الخاتمة باختلاط دماء ريانة بطين أرضها.
أما في شخصية بلال وهو الصورة المثلى للشاب الفلسطيني الجامع في وجدانه ما بين المقاومة ومقاربة الموت وبين حب الحياة والحصاد والحب كما أبرزت الكاتبة
سلمى الفتاة الرقيقة التي حولتها بيئة الحدث إلى القوية الصلبة، ظهرت كمحور للأحداث تجمعت حولها كل خيوط الرواية لنرى كلا الوجهين الوجه الشامخ للصمود والصبر والعطاء والكفاح والوجه المظلم للمحتل من جبن وانعدام القيمة والخسة والطمع والانحطاط الأخلاقي.
وعلى صعيد اخر
بنيامين المسئول المتغطرس الذي يصب عقد نقصه حتى على بني جلدته.
عذرا العنصر الأمني القائم بمهام الاحتلال في كيبوتز حاييم حيث أحداث الرواية.
ولك أن تعقد مقارنة أبرزها سرد الكاتبة بين بلال صاحب الحق الذي يستميت في الحفاظ عليه وبين عذرا الجندي المرتزق الذي يعمل بلا مبدأ أو حق وتحت أي تهديد يفر مثل الجرذان.
وفي منطقة رمادية في كلا الفصيلين
شيخون من الطرف العربي
سيرين من طرف الكيان
واحسب ان طبيعة الشخصيتين كانتا بيئة خصبة ترعرع فيها مداد الكاتبة لما فيهما من صراعات نفسية وانحيازات تعكس التوتر النفسي لهما.
شيخون الخائن العربي الذي يمقته بني قومه وعروبته وأيضا يعلم العدو دناءته ولا يجمعهما سوى المصلحة والبرجماتية في أحط صورها رغم دهشة الخاتمة في شخصية شيخون نتركها للقارئ
سيرين الفتاة الإسرائيلية التي تعاني من الاضطهاد والتمييز العنصري لكونها من طائفة السفار ديم الذين يعدهم المجتمع المهلهل في الداخل الإسرائيلي طبقة ثانية لا يحق لها تولي المناصب العليا او خوض غمار الحياة السياسية واتخاذ القرار وجدير بالذكر الإشارة إلى ان المجتمع الإسرائيلي يتكون من ثلاث طبقات طبقة الإشكيناز وهم يهود أوروبا الذين يستحوذون على المناصب العليا وصناعة القرار، طبقا السفار ديم وهم يهود شرق أوروبا والعرب والشرق الأوسط ويتم معاملتهم معاملة دنيا وإقصائهم عن دائرة صنع القرار، طبقة يهود الفلاشا وهم يهود أفريقيا ويتم معاملتهم مثل العبيد وتؤرخ الصحف والأخبار كيف بلغ التمييز العنصري ذروته في حادث رفض مؤسسة نجمة داوود _الموازية للصليب الأحمر والهلال الأحمر_ حينما رفضت تبرع نائبة من يهود الفلاشا بالدم مما أثار غضبا واسعا وفضح عنصرية هذا الكيان الذي يتشدق دائما بمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وأحسنت الكاتبة في صنع عتبات تقديمية في صدر كل فصل تمهيدا لمحتوى الفصل سرديا أسمتها تغريبات استمدتها من مؤلفات ترسخت في وجدان القارئ سواء كانت من التراث مثل الحلاج وجلال الدين الرومي أو من شعراء وكتاب معاصرين مثل إيليف شفاك وأحلام مستغامني والكاتب أحمد خالد توفيق والشاعر عبد العزيز جويدة.
وأتوقف عند تغريبة (5) جلال الدين الرومي وهي الأشمل والأعم في تلخيص القضية شخصيا وإنسانيا على مدار تاريخها الطويل.
“هكذا أحزاننا كبيرة، ماذا يعني الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، تنظر إلى الليل وترى الفجر، أما نفاذ الصبر فيعني أنك قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة، إن عشاق الله لا ينفد صبرهم مطلقا”
ورغم أن البنية التسجيلية التوثيقية للأحداث تلقي بظلالها وبالأخص على عنصر المكان الا ان قلم الأديبة قد أضاف البعد الإنساني وعمق المشاعر الوجدانية التي صنعت من حدث اخباري نصوصا سردية توغل فيما لا يمكن وصفه اخباريا وصحفيا والذي يعد أيضا مرجعا اصيلا للاستقاء منه صدق التاريخ.
وبالمرور على الغلاف نراه يمزج بين وجه سلمى الصبوح يرتقي على أنقاض ونيران وآثار الحرب والدمار.
وعن الإهداء في آخره
“إلى أحرار العالم هنيئا لكم أيقونة النصر والبقاء”
حيث لا يناصر القضية ويؤمن بها إلا كل حر في هذا العالم فهنيئا للأحرار.
اقتباسات من الرواية
“يعلم أنهم ليسوا سوى مرتزقة لا وطن لهم قد قدموا فقط لبناء عالم افتراضي”
“يكره أي جنس عرقي يختلف عن السامية”
“وما زال الحلم بالانتصار قائم”