بقَلم: لَمَياء زَكِي “رَمضانُ فى الغُربةِ”

تقرير : لمياء زكي

أحياناً يبكي القلبُ قبل العين، وتتألَّمُ الحواس قبل أن ينطق اللِّسان بالآلم، ذلك هو شعور المغترب برمضان في غربته، وبعيداً عن أهله و ناسه و معارفه وأصدقائه، وكأنّّه يأكل فاكهة بلاستيكية، دون طعم أو رائحة، أو يشرب العصير غير المُحلَّى بالسكر وليس له لون أيضاً، أو كأنَّه يشاهد لوحة جميلة ولكن يغيب عنها الألوان التي تُضيؤها، وتُبرز جمالها الفنِّي، وكأنَّك أيضاً تسير بطريق جميل، كُله ورد ذات الألوان الجميلة وأغصان وأشجار مختلفة الأنواع والأشكال والجمال أيضاً ولكن! دون أن تجد منْ يُشاركك روعة هذا الجمال، وطبيعته الخلَّابة؛ فتفتقد اللّمة الحلوة.

يُقال: أنَّ جزءاً من السَّعادة هو أن تتناول وجبة مع شخص تُحبُّه، لقد اشتقنا إلى أهلنا وأشتاقت قلوبنا، فغياب من نُحبُّ تماماً كغياب اللَّون عن الصُّورة، وهو لا يفقدنا الحياة إنما يُفقدُنا طعم الحياة، فالفرحة ليست مكتملة، والسَّعادة ينقصها اللّمة.

فإن أحلى الأجواء الرمضانيَّة بين أهلك وناسك، وأنتم تسمعون القرآن الكريم وصلاة التراويح بالمساجد، “فالنَّاس اللِّى نفسنا نشوفهم بيبأة نفسنا نطبطب على قلوبهم ونقول لهم: وحشتونا ووحشتنا اللّمة معاكم وفطور و سحور رمضان”.

ونفتقد أيضاً في شهر رمضان ونحن بالغربة المشاهد المفعمة بالسعادة في التحضير والإستعداد لشهر رمضان: من تعليق الزينة بالشوارع والبيوت وتبادل التهنئة بين الجيران؛ لحلول شهر رمضان، وكانت أجمل اللحظات انتظار هلال شهر رمضان في ترقب وسعادة عارمة، كانت تمنحنا الفرحة وتُجسِّد معانى الودِّ والوصل، وتوثيق العلاقات والروابط، وأيضاً المشاركة والتَّعاون وتوطيد صلة الرَّحِم، نفتقد ضحكتنا ونحن نُحضِّرُ الفطار، ونتبادل المهام ونوزعها على بعضنا البعض بحبٍ و ودٍ، وتسابقنا لقرءاة القرآن الكريم بصورة من الحماس والتشجيع.

استطلعت  آراء صديقاتى بالغربة؛ يجوز أكون أنا وحدى التي أشعر بهذه المشاعر لاشتياقى لأهلى و حُبى لهم و بعدى عنهم أيضاً أو لأنى مرهفة المشاعر كما يقولون عنِّى ولكنِّى فوجئتُ بما هو أصعب و أشد ألماً من تلك المشاعر التي تصاحبنى، فمنهن منْ قالت لى:


أنا لا أشعر برمضان مطلقاً وأنا بعيدة عن أهلى؛ فلا لون للحياة بدون أهلى وأخوتى.

ومنهن منْ قالت لي: إنَّها تعيش مع أسرتها الصغيرة في الغربة، ولكن مع أول موقف من مواقف الإعدادات والتحضيرات لرمضان وطقوسه، فتتذكر أهلها وأنهم ليسوا معها؛ فتنهمر (دموعها) لبعدها عنهم، وتستكمل صديقتى الحوار وصوتها كلُّه شجن و أسى وتقول: نحنُ في حالة افتقاد لأهلنا طول العام الذى نقضيه بعيدين عنهم، ويتضخَّم هذا الافتقاد في شهر رمضان.

و منهن منْ قالت لي:
رمضان لا يحلو إلَّا بأهلى وناسى، وعزومات رمضان والزِّينة الموجودة بالشوارع، والفوانيس المعلَّقة في كلِّ مكان، التي تنور شوارعنا و تُزيُّنها والمسحراتي الذى نتتظره في كلِّ ليلة برمضان.

و منهن منْ قالت لي:
هناك فرق كبيييير كفاية التحضيرات قبل رمضان بقدوم الشهر الكريم علينا، وكلُّ حاجة برمضان لها طعم تاني عند وجودك في الغربة.
وأغانى رمضان التي نسمعها في كلِّ مكان
وحوى يا وحوى
أهوه جه يا ولاد
لما تلاقي نجوم السما مليان إيمان
وأما تلاقى الخير والحب في كلِّ مكان
وأما تلاقى هلال نوره في السَّماء فرحان
يبأة بعوده رجوعك لينا يا رمضان
حلو يا حلو عيال فرحانة بالفوانيس
وحوى يا وحوى مسحراتيه و ناس بتهيص
والكل اتجمعوا لتراويحك يركعوا
وفى المغرب يفطروا على الأذان

إنَّها أجواء جميلة مُغلفةٌ بزهور يفوح منها عطور الودِّ والرَّحمة نفتقدها في غربتنا ولكن يُثبِّتُنا الله عز وجل بكلامه في كتابهِ العزيز حين نقرأ آياتهِ، وحين نذهب لصلاة التراويح، وحين نتذكر أقوال علمائنا وشيوخنا؛ كقول الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية:
ليس في الدنيا نعيم يُشبه نعيمَ الآخرة إلا الإيمان
.

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.