بلطة حجرية في “المتحف المصري الكبير” تعيد كتابة تاريخ مصر

“بلطة من عمر الزمن: في المتحف المصري الكبير.. رحلة إلى 700 ألف عام قبل الفراعنة”

كتب باهر رجب 

دائما ما نسأل انفسنا من أين يبدأ التاريخ من نقطة نعرفها: الأهرامات، الفراعنة، والمعابد الشامخة. ولكن، ماذا لو أن جذورنا تضرب في أعماق الزمن أبعد مما نتخيل؟ هذا السؤال قادني إلى رحلة داخل أروقة المستقبل، في المتحف المصري الكبير، حيث سقطت عيناي على قطعة ليست ككل القطع الأثرية. لم تكن تمثالا عملاقا ولا قناعا من ذهب، بل كانت مجرد “فأس” أو “بلطة” حجرية بدائية. لكن المفاجأة الحقيقية كانت في عمرها: 700 ألف سنة.

الاكتشاف الذي أعاد كتابة التاريخ:

هذه البلطة الحجرية، التي تم العثور عليها في منطقة العباسية بالقاهرة، هي أكثر من مجرد أداة حجرية. إنها شاهد عيان على لحظة فارقة في مسيرة الإنسان. لقد تم تأريخها باستخدام تقنيات علمية دقيقة، مثل تحليل الرواسب النيلية و الطينية المحيطة بها، و اعتمادا على نظائر الكربون المشع (C14)، والتي تعمل كـ “ساعة زمنية” لتحديد عمر المواد العضوية والعظام والرواسب المرتبطة بالقطع الأثرية بدرجة مذهلة من الدقة. النتيجة كانت صادمة: عمر هذه القطعة يقارب 700 ألف عام اى 7000 قرن من الزمان.

تخيل المشهد:

قبل بناء الأهرامات بآلاف السنين، وقبل ظهور مفهوم الدولة أو الكتابة، وقبل أن يتعلم الإنسان زراعة أول حبة قمح، كان هناك كائن بشري قديم، واقفا على أرض مصر. كان يحمل هذه البلطة بين يديه، يستخدمها في الحفر، أو تقطيع اللحوم، أو ربما في الدفاع عن نفسه. كانت مصر في ذلك العصر السحيق مختلفة تماما؛ حيث كانت الصحراء عبارة عن مساحات خضراء شاسعة من الغابات و السافانا، تجري فيها الأنهار، وتزخر بالحياة. كانت أرضا ملائمة لأن تكون مأوى لإحدى أقدم التجمعات البشرية وأشباه البشر في القارة الأفريقية بأكملها.

من صنع هذه الأداة؟

كذلك يشرح علماء الأنثروبولوجيا أن أدوات كهذه تنتمي إلى مراحل الإنسان البدائي المبكر، مثل “هومو إريكتوس” (الإنسان المنتصب) أو غيره من أسلافنا الأوائل. هؤلاء البشر كانوا يعيشون حياة ترحال، يبحثون عن الطعام، و يصطادون باستخدام الرماح الحجرية البدائية، و يشعلون النيران ربما باحتكاك الأحجار. لقد كانوا يخطون أولى خطوات السيطرة على البيئة من حولهم. هذا الوجود يسبق ظهور “الإنسان العاقل” (هومو سابينس) بمئات الآلاف من السنين.

المتحف المصري الكبير: صرح يحكي عظمة الحضارة على أعتاب الأهرامات

رمزية القطعة وأهميتها في المتحف المصري الكبير:

علاوة على ذلك القيمة الحقيقية لهذه البلطة ليست في شكلها الهندسي البسيط، بل في ما ترمز إليه. إنها تذكر العالم بأن جذور مصر ضاربة في أعماق التاريخ الإنساني نفسه، وليست مجرد امتداد لآلاف السنين من عصر الأسرات. إن عرض هذه القطعة في المتحف المصري الكبير، إلى جانب تماثيل الملوك و العجلات الحربية والكنوز الذهبية، يروي قصة كاملة ومتكاملة. إنه حكاية تطور البشرية على هذه الأرض، من أول أداة حجرية بدائية، إلى أعظم الإنجازات المعمارية والفنية التي أذهلت العالم.

خاتمة:

عندما تقف أمام هذه البلطة في المتحف المصري الكبير. لا تنظر إلى حجر قديم. انظر إلى اللحظة التي أصبح فيها الإنسان صانعا، مفكرا، و مقاتلا من أجل البقاء. انظر إلى البصمة الأولى على طريق طويل قاد إلى الأهرامات، و الكرنك ، وأبو الهول و دندره، وطريقى وادى الملوك ،ومعبد الأوزريون تحت الأرض في أبيدوس. إنها رسالة مصر للعالم: “تاريخنا يبدأ من هنا، من لحظة بدأ فيها الإنسان رحلته على هذه الأرض. ونحن حافظنا على إرث هذه الرحلة بكل مراحلها.”

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.