بوابة الخوف.. بقلم/ مصطفى حسن سليم.

الخوف هو ذلك الحاجز الذي يحتل كل المساحات بداخلك، وعندما تجتاز مخاوفك، وتعبر بوابة الخوف، تجد نفسك تقف علي حافة الهاوية، التي ربما تكون هي نفسها نفس طريق النجاة…
حل المساء سريعا في تلك الليلة، التي تتسم بالبرودة الشديدة، في حين أشعل حاتم بعض النيران أمامه، في مجموعة من الأخشاب الصغيرة للتدفئة أمام الخيمة، التي نصبوها في تلك الليلة في الصحراء الشاسعة، وجلس مقترباً من النار ليشعر بالدفء، رافضاً أن ينضم لمجموعة زملائه الذين خلدوا للنوم بداخل الخيمة، والتي حرصوا علي غلق بابها جيداً من شدة برودة الجو، في حين تطلع حاتم إلي الصحراء من حوله، وشعر بالرهبة الشديدة من شدة الظلام الذي يحيط به من كل جانب، ولكن مشهد النجوم المرصعة في السماء أزال بعض الرهبة من أعماقه، وهو يقف متجهاً إلي السيارة الخاصة به ليحتمي بها من برودة الجو، ثم جلس داخلها واغلق الزجاج جيداً محاولا أن يشعر ببعض الدفء، ثم وضع غطاء وجده على المقعد الخلفي للسيارة على جسده، ومالبث أن ذهب في نوم عميق من شدة الأرهاق، من أثر عناء الرحلة التي قطعوها في الصحراء طوال اليوم ….
استيقظ حاتم من النوم، بعد أن داعبت أشعة الشمس وجهه، وتسللت حرارتها إلي جسده، وهو يقوم بإزاحة الغطاء عن جسده وهو يحتمي بيديه منها، وهو يحاول أن يستعيد تركيزه، ونظر بجانبه فوجد الرمال تغطي السيارة من كل جانب، وحاول فتح باب السيارة، الذي أنفتح بصعوبة شديدة، وقد تساقطت الرمال عليه من كل اتجاه، ثم وقف خارج السيارة محاولا أن يستوعب الموقف الذي حدث له، لتفسير غرق السيارة في الرمال، ثم دار في ذهنه تفسير قد وجده طبيعي لِمَ حدث له، وهو يقول لنفسه بصوت عالٍ يبدو أن هناك عاصفة رمليه حدثت في أثناء ذهابي للنوم، ثم جال ببصره في المكان وهو يبحث عن زملائه في المكان، والخيمة التي كانت منصوبة بالأمس أمام عينيه، ولكنه لم يجد سوى مزيد من الرمال تحيط به من كل إتجاه علي مدى البصر، ولاوجود لأي أثر يدل على أن هناك حياة، مما أصابه بالجنون وهو يتقدم في خطوات سريعة في أكثر من اتجاه، يبحث عن أي إنسان من الذين كانوا معه في الأمس، ولكنه لم يجد أي شيء علي مدى اتساع بصره سوى الرمال فقط، والشمس المحرقة، سقط منهاراً علي الأرض، في حين بدأ الجوع يضرب جسده النحيل بقوة، حاول فتح شنطة السيارة ليبحث عن أي بقايا الطعام، قد يكون موجود بداخل حقيبة السيارة قد تركه في الأمس، ولكن الرمال كانت تغطي السيارة من كل جانب، مما زاد صعوبة ذلك، وعندما فشل في ذلك، أندفع إلى الأمام ليبحث عن أي مخرج من هذه الورطة، وبدأ يسير عكس اتجاه الشمس، والعطش والجوع والرمال يحوطان به من كل جانب، لم يعرف كم مر عليه من الوقت من كثرة التعب، ولكنه شعر أن قواه قد بدأت تخور من شدة التعب، والعطش، وبدأ يشعر أنه قد يفقد الوعي، وسقط علي الأرض وهو يحجب ضوء الشمس بيديه، وهو يحاول التماسك عندما وجد خيال بعض أشباح لأجسام غريبة تحوط به في كل مكان وتحجب عنه ضوء الشمس…
شعر حاتم بانقباض شديد في معدته من الرائحة النفاذة التي تسري في المكان من حوله، وهو يفتح عينيه بصعوبة من شدة ضوء الكشاف المسلط على وجهه، وهو يحاول النهوض بجذعه على الطاولة التي يرقد عليها، وأخذ يتأمل المكان من حوله، كان في الغرفة ضوء شديد ينبعث من أركان المكان لايستطيع تحديد مصدره، وجدران الغرفة مليئة بعدة أحواض كبيرة للعديد من أنواع الأسماك المتحركة، والكائنات البحرية المنقرضة التي شاهد صورتها في أحدي المجلات العلمية من قبل، وجدران المكان كلها شبه صخرية، أخذ نفسا عميقا وهو ينظر نحو الصوت المنبعث من مكبر الصوت المثبت في الجدار، الذي انساب منه صوت مقبض في المكان قائلا له أعتقد انك تبدو بخير الآن، حاول حاتم أن يقف علي قدميه ولكنه لم يستطع ذلك، وذلك الصوت ينساب مرة أخرى وهو يستطرد أرجو ألا تحاول التحرك في أي أتجاه فأنت مازالت لم تستعيد وعيك بشكل كامل، أنت الآن تحت تأثير مخدر قوي، فصرخ حاتم في الصوت قائلا له من أنت؟ وأين أنا؟ وأي مخدر قمت بحقنه في جسدي؟! المفروض إني عندما استعيد الوعي يذهب أثر مفعول أي مخدر في جسدي، فقال له الصوت هذا بالنسبة للمخدر الذي تصنعونه في عالمكم الأرضي، هنا الأمر يختلف، ثم سمع صوت آخر يتحدث بلغة غير مفهومة، حاول أن يستوعب منها بعض كلماتها ثم فشل في ذلك، وهو يقول لذلك الصوت في توتر أي عالم تقصد؟ وهل أنت من عالم غير عالمنا؟! صمت الصوت للحظات قد مرت عليه كأنها ساعات طويلة، ثم عاد الصوت يتحدث إليه مرة أخرى قائلا له لقد حاولنا مساعدة أصدقائك ولكن العاصفة الرملية كانت قوية ولم يبقى منهم أحدٌ غيرك أنت، ولقد تدخلنا في اللحظة المناسبة لأنقاذك من الموت المحقق حتي تصبح واحد من ضمن عالمنا، نحن كائنات عاقلة مثلكم، نعيش في عالم مماثل لعالمكم الأرضي، ولكنه عالم مجهول مكانه بالنسبة لكم، يمكنك القول أنك عبرت بوابة مجهولة نحو عالم موازي لعالمكم، ولكن عالمنا هذا خالي من كل الصراعات التي تحتل عالمكم الأرضي، نحن هنا طورنا كل شيء له شبيه في عالمكم البشري، ونزعنا جميع الأحقاد السائدة بينكم من مشاعر سلبية، تستطيع القول أننا هنا حضارة متطورة تسبق الحضارة الأرضية بألاف السنين الضوئية، ونرحب في عالمنا هذا بوجود كل الكائنات العاقلة للتعايش معنا في سلام، اذا كانت لديك الرغبة في ذلك؟ ثم انقطع الصوت فجأة وشعر حاتم باتساع الحجرة وظهور ممر لاحدود له، وحركة خفيفة تأتي من خلفه تتقدم في أتجاهه، فنظر في اتجاه الصوت ليعرف كنية ذلك الشيء، فأصابه الفزع عندما وجد أمامه مجموعة من الكائنات المتحركة منها المعدنية، ومنها كائنات تشبه البشر في بعض الصفات، ثم وجد من بينهم مجموعة من البشريين يتحركون ببطء مثل الإنسان الآلي، وشعر بجسده قد زالت عنه القيود التي تكبله، ولاحظ الملابس الغريبة التي ترتديها هذه الكائنات، وتقدم منه احد هذه الكائنات وهو يقول له مرحبا بك في عالمنا، أنا السيد 555 هنا لاتوجد اسماء مثل عالمكم الأرضي، هنا توجد ارقام فقط لكل كائن يعيش في هذا المكان، أنت أيضا ستصبح رقم اذا فضلت التعايش معنا بعد أن يتم تعديل السلوك البشري بداخلك، مثلك مثل بقية البشر الذين يعيشون معنا هنا، لقد وجدنا أن البشر لديهم رغبة كبيرة في تدمير كل شيء يحوط بهم، اما بالحرب أوالكراهية أوالتنازع فيما بينهم بالأحقاد، لذلك قمنا بتعديل ذلك السلوك البشري المدمر، ونزع جميع هذه الأحقاد بوسائل متطورة من داخل العقل البشري، وعدلنا ايضا سلوك الحيوانات القاتلة حتى أصبحت هذه الحيوانات الشرسة التي يخشي منها البشر لاتحمل أي عداء لأي كائن حي، باختصار انت في عالم مثالي يتمناه جميع البشر، أوكما يطلق عليها البعض منكم المدينة الفاضلة التي ليس لها وجود في عالمكم هذا، تقدم حاتم نحوه ثم ارتد للخلف في سرعة، عندما شعر بألم شديد يسري في جسده كله، عندما رفع ذلك الكائن يديه نحوه وهو يقول له احذر من أن تقترب من أي كائن هنا، أنت مازالت في مرحلة التأهيل ولم تأخذ بعد الموافقة علي التعايش معنا في عالمنا، واذا حدث ذلك سترتدي ملابس خاصة مثل ذلك الرجل، ثم أشار بيديه نحو شخص يقترب من حاتم فنظر حاتم بجانبه فوجد شخص يسير بجواره في سرعة غير مكترث بوجوده، حاول حاتم التحدث معه ولكنه وجده يعرض عنه، وكأنه بالنسبة إليه شبح، فعاد الكائن يتحدث معه وهو يقول له نحن هنا نعيش مثلكم على كوكب الأرض، ولكن في نقطة مجهولة لهذه الكائنات المدمرة التي يطلق عليها اسم البشر، ربما تجدنا في أي مكان، وربما تجد منا أشخاص بأشكال مختلفة تعيش بينكم في شكل نبات، جماد، ليس كل الحياة على الأرض تتشكل علي صورة إنسان فقط، ونحن نفعل ذلك لحمايتنا منكم، ومراقبتكم في نفس الوقت، لقد طورنا الهندسة الوراثية للنبات، والحيوان، وجميع الكائنات علي وجه الأرض، يوما ما وقريبا جداً سيفني الجنس البشري من على وجه الأرض بسبب الحروب، التي يصنعونها فيما بينهم، ليبقى فقط عالمنا المثالي الذي صنعناه عبر ألاف السنين الضوئية، والتي لن يستطيع أحد منكم الوصول إليه إلا من خلال بوابة مجهولة لكم، وقف حاتم يتأمل في احدى الحيوانات الشرسة التي تمر بجانبه، دون أي رد فعل من أحد نحوها بالخوف، ثم التفت إلى ذلك الكائن وهو يقول له وماذا سيصبح مصيري اذا رفضت التعايش معكم في عالمكم المثالي هذا؟ أعتقد انه سيكون مصيري القتل حتماً ؟ تراجع ذلك الكائن عدة خطوات للخلف وكأنه أصابته صاعقة، وهو يقول له نحن هنا ليس في قاموسنا كلمة القتل علي الاطلاق، ولكن ماسيحدث لك سيكون أبشع من القتل بمراحل كثيرة، شعر حاتم بانقباض شديد مما يدور حوله وهو يقول لذلك الكائن، أي كان ذلك المصير أنا أرفض أن أتحول إلى إنسان آلي يتخلي عن كل مشاعره البشرية، ويصبح مثل الآلة الصماء، فقال له الكائن في نبرة قد تبدو غاضبة هل هذا هو قرارك النهائي؟! فأوما حاتم برأسه علامة الموافقة مرت دقائق من الصمت، وفجأة شعر حاتم بجسده يعبر مجموعة من الخلايا الضوئية المتألقة، ثم وجد نفسه يجلس خلف مقود سيارته فجأة، وصوت ذلك الكائن وبعض كلماته الأخيرة وهي تتردد بداخله، قبل أن بجتاز هذه الخلايا المتألقة وهو يقول له ستعود إلى عالمك مرة أخري كما أردت، ولكنك هذه المرة ستعيش بلا ذاكرة إلي الأبد.

المزيد من المشاركات
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.