بين الموروث والعلم الحديث

كتبت
نيروز الطنبولي
==========

لقد ربينا منذ نعومة أظفارنا على جملة تعتبر مفتاح من مفاتيح فلاح المجتمعات:
(الأسرة لبنة المجتمع)
فإن أردنا بناء المجتمع تعهدنا هذه اللبنة بالبناء السليم ، وإن صلحت صلح المجتمع بأسره،ولكي تصلح هذه البنية الصغيرة –مقارنة بالمجتمع- لابد وأن ترتكز في بنيتها على أسس ربما أغفلناها لفترات ليست بالقصيرة ، فصرنا لما نحن عليه.

فبالرغم من كوننا أمم تقدس فيها الحياة الزوجية بشتى أطيافها ونزعاتها ..إلا أن هناك أمورا أستُحدثت فيها من حيث لا ندري ،مما جعلها رخوة القوام ،مميعة إلى حد كبير..
تفتقر للصلابة والثبات والقدرة على مقاومة المصاعب ،مقارنة بما كانت عليه في الماضي القريب وربما لهذا الماضي القريب أثرا فيما آلت إليه أسرنا حاليا وما نعاصره من مشكلات.

من ثوابت التربية
أن الإتجاهات الزوجية وما يتعلق بها من إيمانيات الرجل والمرأة ، وتوجهاتهما لبعضهما البعض هي موروث ثقافي وتربوي تم إستخلاصه من الآب والأم ولكليهما
ولهذا الموروث قنوات متعددة فهناك
القدوة والقدوة الغير مقصودة
والتربية الموجهه والغير مباشرة
وإستنتاجات الأبناء وخبراتهم التي بنيت على المشاهدة والمتابعة وتعقب النتائج والتي كانت مرجعيتها أيضا الأب والأم في الأساس ….
إذا علينا أن نتفق أن ما نحن عليه الآن في مجتمعاتنا من مشاكل أسرية ترجع في أساسها لهذا الموروث التربوي وتقع مسئوليته بنسبة كبيرة على عاتق ما خلفه لنا جيل الآباء والذي لا يزال حتى الآن يشاركنا يومياتنا ويدلي بلوه .

من المتعارف عليه في بيئاتنا العربية ،ومن التوجهات التي بدت واضحة في الزيجات الحديثة بمجتمعاتنا
النظرة المتفائلة بزواج الأجنبي والأجنبيات
وأعني بذلك أن هذه الرغبة التي أصبحت رغبة لدى الجنسين ولم يعد الأمر بسطحية الإنجذاب للشكل الخارجي
وإنما هو توجه عام إن صح التعبير
وإذا تحدثت مع الشباب فستجدهم يفكرون بأنها سبيل جيد للهروب من كثير من الإلتزامات المتعارف عليها والتعقيدات الخاصة بالزيجات
وبشكل أساسي من التخلص من تدخل الأهل في هذه الزيجة من الألف إلى الياء .
فبمجرد أن ترتبط بأجنبية رفع عنها من أهلك الكثير والكثير من المطالب والواجبات التي تعتبرها الحموات حقوق لها عند كنتها
على سبيل المثال لا الحصر
وفي المقابل لن تكون هناك مطالبة من أم الزوجة أو أهلها ماهو دارج في مجتمعاتنا العربية وعذرها في ذلك كونها أجنبية

والأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للزواج بأجنبي فنحن أميل لإحتواء الطقوس والمراسم والأصول الجديدة التي يأتي بها العريس ونستكين بسهولة إليها وهذا ما نعبر عنه باللغة الدارجة قائلين:
(عندهم كدة)
غافلين عن الكثير والكثير من المشكلات التي قد لا نستطيع تكهنها ، نظرا لجهلنا بمترادفات أخرى تتعلق بالزواج من الأجانب وهذا من المتناقضات الغريبة بمجتمعاتنا أن نقبل بالمعطيات الجديدة بسهولة أكبر من أى محاولة ولو بسيطة لتغيير الموروث وتعديله بما يتماشى مع طبيعة العصر ومقتضياته من التطور والتغيير.

كنا من وقت قريب نتناول الحديث عن الأسر الأوربية ،والغربية بشكل فيه شعور بالإعتزاز والثقة بأفضليتنا كأسر عربية ،من كوننا أقل نسب طلاق وأقل عنفا أسريا وإحترام لدور الجنسين في الكيان الأسري وربما كان ذلك وياما كان
أما نحن الآن فقد فقنا الحدود وأتينا بكل التجاوزات ،وصرنا نباري كل المجتمعات الدولية في التشتت ،وأرتفاع نسب الطلاق ،والعنف الأسري وغياب دور الأم والأب أو إحداهما على أفضل الفروض .
حتى ما جبلنا عليه من فطرة ومن توجهات ديننا الحنيف مما جعل الأسرة في حالة من التشتت ،،وعدم الإستقرار سواء نفسيا أو إجتماعيا أو إنسانيا على وجه العموم ولكن إلى متى ؟!
وإلى أين نحن ذاهبون ؟!

نحن بني إنسان لدينا فطرة ربانية جُبِلنا عليها فيها من حب الخير والسلام النفسي والعطاء والبر …
إلا أننا ولظروف وإن كانت خارجة عن إرادتنا أو حتى قد لا نعرفها بحكم توجهاتنا التى قد تفتقر إلى التحليل والتدقيق والنظرة البعيدة قد نبدو حتى أمام أنفسنا وقد بدلت مشاعرنا بعض الشيء .

كما أن بعدنا عن النموذج المتوازن المثالي الذي يتمثل في المثل والأخلاق التي ترسى دعائمها من خلال الديانات السماوية أو حتى الغير سماوية نتيجه لبعدنا عنها
كذلك إفتقادنا للنموذج الصالح الحي وافتقارنا للقدوة جعلت فطرتنا تتغير وتتبدل فلم يعد تعقبنا للأهوائنا وفطرتنا دليل خير لنا ولتكن لنا أسوة حسنة في مجتمعات اخرى ربما خاضت كما خضنا ولكن سبقتنا في محاولة وضع الحلول وإلتماسها لنداء العقل والعلم .

في أوروبا الدول المتقدمة هنا مجموعة من البرامج التربوية والدورات المعدة خصيصا للمقبلين على الزواج وهذه الدورات يوجد لها مثيل في بعض من الدول العربية الواعدة وهذه الدورات من شأنها أن تؤهل الملتحقين بها لإستقبال حياة جديدة وتوعيتهم بمتطلبات الزواج ومسئولياته والصعوبات التي قد تواجهها مع شريك الحياه…..
مثل هذه الدورات لابد أن تدرج في المناهج التعليمية ولتكن من الصف العاشر وحتى الجامعة لتكون بمثابة أساس ومنهج يحتذى به.هذا وفي المقابل لابد وان تكون هناك دورات شبيهه موجهه للكهول و ولكبار السن توججههم لكيفة إستقبال حياتهم البهية بهذا العمر المتقدم بسماحة وترفع عن الإنخراط في حياة أبنائهم بطريقة قد تدغدغ العلاقات تشتت الأبناء وتشعرهم بتذبذب وتشويش قد يحول دون نمو علاقاتهم الأسرية الجديدة بالشكل المرجو،هذا مع الأخذ في الإعتبار كل أصول بر الوالدين وإحترام خبراتهم وعدم إشعارهم بالتهميش.

هذا ولابد من تضافر الهمم في نشر الوعي النفسي والأخلاقي والإنساني من خلال مراكز تتعهد متابعة الأسر ومشكلاتها. ويوجه الأفراد إلى اللجوء إليها كلما ضاق بهم الأمر،وغلبت عليهم مشاكلهم أو حتى قبل الوصول إلى هذا الحد من ترقي المشكلات إنطلاقا من مبدأ الوقاية خير من العلاج وأهمية العلاج المبكر .

وأخيرا الهروب من المشكلات وعدم التصدي لها والاستسلام لها وعم محاولة إيجاد حلول وحلول بديلة لم ولن يكون حلا جزريا لتفشي فشل العلاقات الزوجية وهذا سيودي بكيان الأسرةويدفعها دفعا للإنهيار الحتمي وإنهيار المجتمعات تبعا.
وهذا مالا نتمناه

==========
نيروز الطنبولي
أديبة وفنانة تشكيلية

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.