تاريخ المسحراتي: من الفكرة الأولى إلى رمز رمضاني لا يُنسى

تاريخ المسحراتي: من الفكرة الأولى إلى رمز رمضاني لا يُنسى

ريهام طارق

جذور و تطورات قصة المسحراتي في رمضان:

شهر رمضان الكريم يتميز بـ طقوسه الخاصة التي تميزه عن غيره من الشهور، ومن بين هذه الطقوس تبرز شخصية “المسحراتي” كرمز مهم للشهر الفضيل.

بداية الفكرة:

بدايات هذه الفكرة تعود إلى العصور الإسلامية الأولى، حيث كان يأتي المسحراتي يوقظ الناس لتناول السحور قبل بدء الصيام، تطورت هذه الشخصية عبر العصور لتصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافة رمضان، حيث يقوم المسحراتي بالجولان في الأحياء لينبه الناس بصوته لـ يذكرهم بتناول السحور.

ومع تقدم العصور، تغيرت وسائل إيقاظ الناس، لكن ذكرى المسحراتي لا تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية.

وتتعلق علاقة المسحراتي برمضان بأهمية السحور كوجبة تغذية تساعد المصلين على صيام يوم طويل، وهو ما يجعل دور المسحراتي أكثر أهمية خلال هذا الشهر.

و علاقة المسحراتي بـ الطبلة، فإنه يستخدمها كوسيلة لجذب انتباه الناس.

تراث المسحراتي.. ترانيم الفجر وروح رمضان:

وبالرغم من تراجع الحاجة إلى المسحراتي في عصرنا بسبب وجود وسائل إيقاظ متنوعة، إلا أنها لا تزال تحمل قيمة تقليدية وثقافية في زمننا الحالي، ولكن مازال لهم مكانة خاصة في قلوبنا، و نشعر بالفرح حين نستمع إلى صوته عندما يدق بأسمائنا لـ نستيقظ لتناول السحور.

إنها تفاصيل صغيرة تضفي جوًا من الروحانيات على شهر رمضان، مما يجعلنا نحافظ على الاحتفاظ بهذه العادة الجميلة رغم التطورات الحديثة.

و الإعلام بوقت السحور كان له أصل في الدين ، فكان في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم بأذان بلال بن رماح، وفي العصور التي تلت ذلك بوسائل شتى، بإضاءة الأنوار،وإنشاد الأشعار، والضرب على الآلات، ثم بإطلاق الصفارات وضرب المدافع وغير ذلك من الوسائل..

باختصار يظهر تاريخ المسحراتي كيف أصبحت هذه الشخصية رمزا لروح رمضان وتقاليده الخاصة، مما يبرز أهمية الطقوس والتقاليد في تشكيل تجربة المسلمين خلال هذا الشهر الكريم.

قصة وجذور أول مسحراتي في الاسلام:

السحور هو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك للتقوي به على الصيام ، كما جاء في حديث البخاري ومسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تسحروا فإن في السحور بركة”، ووقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر ، و المستحب تأخيره ، وجاء في البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت : تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة ، وكان قدر ما بينهما خمسين آية ، وكان هناك أذانان للفجر ، أحدهما يقوم به بلال ، وهو قُبيل الوقت الحقيقي للفجر ، والثاني يقوم به عبد الله بن أم مكتوم .

وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذان بلال ليس موعدً الإمساك عن الطعام والشراب و المفطرات لبدء الصيام ، و أذِن لنا فى تناول ذلك حتى نسمع أذان ابن أم مكتوم ففي حديث البخاري ومسلم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “أن بلالاً يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم”.

بلال مؤذن الرسول أول مسحراتي في الإسلام:

أول مسحراتي في العهد الإسلامي هو الصحابي بلال بن رباح، وتميز بلال بصوته العذب، لذا طلب منه النبي ومعه ابن أم مكتوم أن يقومان بمهمة إيقاظ الناس للسحور.

وتعود مهمة المسحراتي عهد الرسول صلى الله عليه الصلاة والسلام ، فقد كان بلال وابن أم مكتوم ، يقومان بمهمة إيقاظ المسلمين للسحور فكان بلال يؤذّن اﻵذان في البداية، ثم يتناولون السحور، وبعد ذلك يأتي ابن أم مكتوم يؤذن بعد ذلك اﻵذان الثاني لكي يمسكون عن تناول الطعام.

عبارات المسحراتي تراث رمضاني يمتزج بالفن والتقاليد:

عبارات المسحراتي تمثل جزءاً مهماً من تراث شهر رمضان، حيث يمزج المسحراتي بين الكلمات و الإيقاعات لخلق أجواءاً مميزة تعزز روح الاحتفال والتقارب الاجتماعي خلال شهر رمضان الفضيل.

تعد عبارة “يا نايم وحد الدايم يا غافي وحـد الله” واحدة من أبرز العبارات التي يرددها المسحراتي خلال ساعات الفجر، حيث تعبر عن الدعاء لله بالثبات والاستمرارية واليقظة خلال أوقات الصلاة والتقرب إليه.

وتأتي عبارة “قوموا إلى سحوركم” تذكير للمؤمنين بأهمية تناول وجبة السحور التي تعتبر أساسية للصائم لتتمكن من صيام يوم طويل بكل يسر وسهولة.

إلى جانب ذلك، يضيف المسحراتي لمسات فنية على عباراته، حيث يلحنها بواسطة ضربات فنية يوجهها إلى طبلته، مما يخلق إيقاعاً مميزاً ينعش أذهان المستمعين ويشعل حماسهم لاستقبال شروق الشمس وبدء يوم جديد من الصوم والعبادة.

وعلى الرغم من أن المسحراتي كان في الماضي لا يأخذ أجر إلا أنه كان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل مع طبلته المعهودة، حيث كان يشاهد بفخر واحترام من قبل الناس الذين يعبرون عن تقديرهم و امتنانهم بالهدايا والتهاني بمناسبة العيد السعيد.

تاريخ المسحراتي في مصر: أولى خطوات الاستيقاظ لصيام رمضان

في مشهد لا يخلو من الرومانسية والتقاليد الدينية، يعتبر المسحراتي دورا حيويا في حياة المصريين خلال شهر رمضان الكريم، يعود تاريخ هذه المهنة إلى قرون عديدة، حيث كانت مصر هي الواجهة الرئيسية للإسلام و مركزا للتعليم والثقافة الدينية.

بدايات المسحراتي في مصر:

يعتبر “عتبة بن إسحاق“، الذي وصل إلى مصر في القرن الثالث الهجري، هو أول من قام بمهنة المسحراتي في مصر كانت فكرته بسيطة ونبيلة في الوقت نفسه؛ حيث لاحظ نقص الوعي بوقت السحور بين الناس وقلة الإيقاظ في الوقت المناسب للإفطار، فقرر تطوعًا أن يقوم بتنبيه الناس لوقت السحور بطريقته الخاصة.

دور المسحراتي في المجتمع المصري:

يعتبر المسحراتي شخصية مهمة في المجتمع المصري خلال شهر رمضان، حيث يلعب دورا حيويا في إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل بداية الصيام، حيث قوم بـ الجولات في الأحياء والشوارع في وقت متأخر من الليل، وهو يحمل الطبلة و ينادون بأصواتهم المميزة ليذكروا الناس بأهمية تناول السحور و ترديدهم الأدعية والأناشيد الدينية المعتادة في هذا الشهر الفضيل.

 

مهمة المسحراتي في عهد الدولة الفاطمية: تنظيم ورعاية في شهر رمضان

في عهد الدولة الفاطمية، كانت مهمة المسحراتي تتم بشكل مميّز ومنظم، حيث كانت تنفذ بواسطة الجنود في البداية، ومن ثم تم تعيين رجل خاص لهذه المهمة.

كان المسحراتي يتجول في الشوارع خلال ساعات الليل الأخيرة قبل الفجر، وينادي بصوت مرتفع: “يا أهل الله قوموا تسحروا”، و يدق على أبواب المنازل بعصا يحملها في يده.

كان لدى المسحراتي مقولات محددة كـ “وحدوه” أو “يا فلان” ليجذب انتباه سكان المنازل. وعندما يستجيب صاحب المنزل ويقول “لا إله إلا الله“، يعرف المسحراتي أنه استيقظ للسحور، فيقوم بالانتقال للمنازل الأخرى لتذكيرهم بأهمية السحور.

هذا النظام المنظم كان يعكس اهتمام الدولة الفاطمية برعاية شؤون المواطنين وتشجيعهم على أداء الطقوس الدينية والاعتناء بصحتهم خلال شهر رمضان المبارك.

تاريخ المسحراتي في الدولة العباسية: بين الإيقاظ والتقاليد الثقافية

في عصر الدولة العباسية، كان المسحراتي له دور مهم في تنظيم حياة الناس خلال شهر رمضان المبارك، في عهد عتبة بن إسحاق أول الولاة على مصر ، حيث كان يخرج بنفسه في ساعات السحور لإيقاظ الناس و تذكيرهم بفضل هذا الوقت المبارك.

يتجلى في هذا العمل البسيط ترسيخ للتقاليد الثقافية والروحانية في مجتمعات العصر العباسي، وكذلك الإشارة إلى القيم الدينية والاجتماعية التي كانت تسود ذلك الزمان.

إن المسحراتي لم يكن مجرد عمل تقليدي، بل كان يحمل معاني عميقة من التضامن والتواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

 

تاريخ الطبلة في الثقافة المصرية: من الأصول البسيطة إلى تراث رمضان الثقافي:

تعتبر الطبلة جزءاً لا يتجزأ من تراث وثقافة المسحراتي المصري، حيث شكلت جزءاً أساسياً من تقاليدهم و أدائهم المميز خلال شهر رمضان المبارك.

بدأت رحلة الطبلة كأداة بسيطة تسمى “بازة“، حيث استخدمها المسحراتي لتنبيه الناس للسحور بدلاً من العصا التقليدية.

تطورت هذه الطبلة مع مرور الزمن لتصبح جزءاً لا يتجزأ من فن التسحير، و استخدم المسحراتي الطبلة للتجوال في الأحياء وتشجيع الناس على الاستعداد للصيام والصلاة.

مع تطور الزمن، تحول فن التسحير إلى فن متكامل، حيث برع المسحراتي في مزج الأداء الشعبي بالوعظ والتوجيه الديني وقد أضاف الموسيقار سيد مكاوي لمسة خاصة على هذا الفن، حيث استطاع أن يمزج بين الأداء الفني والرسالة الدينية بطريقة فريدة.

ومن خلال إذاعتها في الستينيات، توسعت شهرتهم وانتشرت رسالتهم لتصل إلى كل ربوع مصر، وبفضل المسحراتي، أصبحت عبارة “اصحي يا نايم وحد الدايم” ترافقنا كل عام في شهر رمضان، تذكيراً بأجواء هذا الشهر الكريم والتراث الثقافي العريق لمصر.

تقاليد المسحراتي في البلاد العربية بين النبابيت و العيدان:

تتنوع تقاليد وطقوس السحور من بلد إلى آخر، حيث يشهد العديد من البلدان العربية ظاهرة المسحراتي التي تمثل جزءاً مهماً من هذه الفترة الخاصة.

في اليمن والمغرب، يقوم المسحراتى بـ جولته المعتادة قبل وقت الفجر، يدق أبواب المنازل بالنبابيت لينبه أهل البيوت لتناول وجبة السحور قبل بدء صيام النهار.

تتميز هذه الطقوس بالبساطة والتقاليد العميقة التي تمتد لعدة قرون، حيث يعتبر دور المسحراتي جزءاً من التراث الشعبي في تلك البلدان.

بينما في بلاد الشام، تأخذ طقوس السحور شكلاً مختلفاً، حيث يقوم الناس بالطواف على البيوت مع عزف العيدان و الطنابير، و ينشدون الأناشيد الدينية الخاصة برمضان، تتنوع الأجواء بين الفرحة والانسجام، مما يمنح هذه الفترة من العام طابعاً خاصاً وروحانية مميزة.

المسحراتي في الجزائر تجربة فنية تجسد روح المجتمع وعمق تراثه الثقافي:

يعتبر المسحراتي جزءاً لا يتجزأ من التراث الجزائري، حيث تجسد هذه الفنون الشعبية روح الانتماء والترابط الاجتماعي رغم تبدل العادات، إلا أن صوت طبولهم و أناشيدهم لا يزال يسمع في أرجاء البلاد، خاصة في المناطق الصحراوية التي لا تزال تعتبر موطناً لهذا الفن القديم.

ومع بداية شهر رمضان، يتجول المسحراتي في شوارع القرى يحمل طبلته ينشد الأناشيد الدينية، يعبر عن فرحته بقدوم الشهر الفضيل و مناجي لله بـ الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعند اقتراب نهاية الشهر الكريم، يودعونه بأسى وحزن، معبّرين عن شوقهم لعودته في العام القادم. إن تجربة المسحراتي في الجزائر ليست مجرد تجربة فنية، بل تجسيد لروح المجتمع وعمق تراثه الثقافي.

رحلة إلى عالم المسحراتي في تونس:

يمثل المسحراتي في تونس جزءًا لا يتجزأ من تراثها الثقافي، حيث يعتبر رمزا للتضامن والتلاحم الاجتماعي.

تتجلى أهمية هذه الظاهرة الاجتماعية في القرى والمدن الصغيرة حيث يتجمع الناس للإفطار سويًا وسط أجواء رمضانية مميزة.

يسمى المسحراتي بتونس بنفس الاسم الذي يطلق عليه بمعظم جهات الجزائر أي ” بوطبيلة”، ويقتصر حضوره في بعض القرى والمدن الصغيرة، ومن أشهر ما ينادي به هو: “يا صايمين قوموا تسحروا.

تراث المسحراتي في المغرب: بين الحفاظ على التقاليد وتطور الثقافة الشعبية:

يعتبر المسحراتي جزءاً لا يتجزأ من التراث الشعبي في المغرب، حيث يطلق عليه تسميات متعددة مثل “الطبال” و”النفار” و”الغياط”. يقوم هؤلاء الفنانون بمهمة إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور خلال شهر رمضان المبارك.

تتميز هذه المهنة بتنوع الآلات الموسيقية المستخدمة، من المزامير الكبيرة إلى الصغيرة، وتعكس تطور الثقافة الشعبية في المغرب.

تحافظ هذه الفنون على أصالتها في ظل التطورات الثقافية الحديثة، مما يجسد تواصل الجيل الحالي مع تراثهم الثقافي.

ثقافة المسحراتي في ليبيا والحفاظ على تقاليد السحور:

تتميز ليبيا بتقليدها الخاص في هذا الصدد، حيث يلعب دور المسحراتي دورًا مهمًا في إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل صلاة الفجر.

يُعرف المسحراتي في ليبيا أيضًا بـ”النوبادجي” في بعض المناطق، ويمثل رمزًا للتمسك بالتقاليد والقيم الاجتماعية.

في الساعات الأخيرة من الليل، يتجول المسحراتي بين أزقة الأحياء محملاً بطبل كبير يضرب عليه بعصاتين اثنتين، ينبهر الناس بصوت الطبل و يستيقظون لتناول وجبة السحور مما يعكسه هذا المشهد من أجواء روحانية وترابط اجتماعي بين أفراد المجتمع الليبي.

تتميز تلك العادة بالانتشار في مختلف مناطق ليبيا، حيث يعتبر المسحراتي شخصية محورية خلال شهر رمضان الكريم، ولكن ليست ليبيا وحدها التي تعتمد هذه العادة، بل تجدها متوطنة في عدة دول عربية أخرى مثل فلسطين وسوريا والسعودية، حيث يحمل المسحراتي تقاليد وعادات مشتركة تربط بين مختلف المجتمعات العربية.

أشهر مسحراتي في الوطن العربي:

من المسحراتي المشهورين في العالم العربي، يأتي “الزمزمي” في مكة المكرمة و”ابن نقطة” في بغداد، حيث يقومون بدور مماثل لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، ويعتبر الزمزمي خصوصًا رمزًا للتقاليد الدينية والروحانية في مكة، حيث يقوم بتسحير الحجاج في أعلى المسجد الحرام.

بهذه الطريقة، تعكس عادة المسحراتي في الدول العربية الاهتمام بالتراث والتقاليد الشعبية، وتبرز أهمية الروحانية والترابط الاجتماعي خلال شهر رمضان المبارك، واهميه حفظ هذه العادات ونقلها للأجيال القادمة يسهم في تعزيز الهوية الثقافية العربية والروحانية للمجتمع العربي.

وبالرغم من الاختلافات الثقافية والعادات والتقاليد بين الدول العربية، تظل ظاهرة المسحراتي محافظة على دورها الهام في تعزيز الروح الرمضانية وتقديم الدعم والتشجيع للصائمين في هذا الشهر الفضيل، لانها ببساطة تجسد لحظة الاتصال الروحي والاجتماعي بين أفراد المجتمع، مما يجعلها تجربة فريدة و ثرية من تراثنا العربي المميز.

ختامًا:

يظل دور المسحراتي جزءًا لا يتجزأ من تراثنا خلال شهر رمضان، حيث يعكس قيم الإيقاظ والتلاحم الاجتماعي والروحانية الدينية.

وبالرغم من التحديات التي يواجهها المسحراتي، يظل رمزًا للتمسك بالتقاليد والقيم الإسلامية في وجه التحديات الحديثة.

وإلى اللقاء في مقال جديد يكشف عن عادات وتقاليد أخرى ارتبطت بشهر رمضان الكريم.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.