تجربة أفتراضية .. قصه قصيره
تجربة أفتراضية
قصة قصيرة ….بقلم مصطفي حسن محمد سليم
عمر الإنسان يقاس بكل مامر به من تجارب وخبرات سابقة في الحياة، وعندما تأتي لحظة النهاية، يمر شريط قصير في ذاكرة الإنسان عن كل مامر به خلال المدة السابقة في حياته، ليجد الإنسان نفسه أمام حقيقة واحدة، هي أن فترة حياته كلها التي عاشها بكل تفاصيلها، قد أصبحت شريط سينمائي قصير….
وقف جمال منصور أمام شاشة بروجكتور كبيرة وهو يشرح فكرة برنامجه الافتراضي الجديد، والذي قد أنتهي من صنعه ليخرج علي أرض الواقع لتنفيذه في أكبر شركات البرمجة، وهو يري الانبهار يطل من أعين الخبراء الجالسين أمامه يتابعون فكرة مشروعه بشغف أثناء عرض فيديو تفصيلي لفكرة المشروع، وهو يقول لهم كما ترون في هذا الفيديو التوضيحي، أنني قد أنتهيت من صنع برنامج إفتراضي تم تطويره بواسطة الذكاء الأصطناعي لاستغلال فترة مهمة مهملة في حياة الإنسان، وهي فترة النوم، فعندما يمر الإنسان بالحلم يشعر أنه خارج إطار الزمن، ولايعرف أن كان كل ماعاشه في فترة الحلم مجرد لحظة أوقرون طويلة، حين يري الإنسان أحداثاً تستغرق أشهراً أوسنوات خلال غفوة تستمر للحظات معدودة، وسنأخد مثال علي ذلك عند بلوغ المرء 78 عاماً، نجد إن النشاط الإنساني الذي يستهلك الوقت الأطول من حياته هو النوم، حيث يبلغ مقدار ماكان يقضيه ذلك الشخص في مثل ذلك العمر في النوم مايقرب من 25 عاماً، ولو يمكننا بالرجوع إلي سنوات ذلك العمر التي مضت، فسوف نسأل : كم من الوقت نستطيع البقاء مستيقظين، وماهي النتائج التي يمكن أن تترتب علي البقاء بلا نوم؟ سيجد أي إنسان يتمتع بصحة جيدة أنه من الصعب البقاء مستيقظاً بلا نوم، لأن الرغبة في النوم أقوي من الرغبة في الأكل، فدماغك سيذهب إلي النوم رغم بذل كل المحاولات منك لإبقائه متيقظاً ، إذا كان الإنسان يقضي الوقت الأطول في الحياة وهو في حالة النوم وأثناء فترة النوم تحدث الأحلام ، لماذا لانستغل ذلك النوم الطبيعي لهذا الإنسان بتحويله إلي عالم أفتراضي لكل إنسان، يجعله يمر بحالة فريدة من البرمجة العلمية لخلق إنسان جديد يحمل معلومات وذكاء يفوق عمره الافتراضي في الحياة بعدة مراحل، بمعني آخر من الممكن صنع حياة جديدة للعقل البشري أثناء النوم، وبناءا علي ميول كل إنسان واختياراته بصنع عالم موازي لحياته الطبيعية داخل أحلامه، ودمج معلومات علمية تتسرب داخل ذاكرته بشكل أينثابي تجعله يري في أحلامه واقع مغاير لحياته الطبيعية بكل ماتحمل الكلمة من معاني، ليستطيع ذلك الإنسان بتحقيق كل ماكان يحلم به ويتمناه في حياته أثناء النوم، وتوجه جمال إلي المنضدة التي أمامه وهو يقوم بجمع أوراقه داخل حقيبته، وهو يستطرد أعتقد أنني قد قمت بشرح فكرة برنامجي الجديد لحضراتكم، فرفع أحد الحاضرين يده يطلب الإذن بالحديث وهو يقوم بتعريف نفسه دكتور عادل حسنين دكتوراه في هندسة البرمجيات ، وهو يقول في إنفعال واضح أعتقد أن فكرة برنامجك هذا كلها هراء، بل ومستحيل تطبيقها علي أرض الواقع، أولاً:- من الواضح هنا أن كل من سيقوم بتجربة برنامجك سيفضل الهروب من عالمه الحقيقي إلي النوم، كوسيلة أخري للهروب من الحياة لتحقيق أحلام اليقظة التي لم يستطيع تحقيقها في حياته الطبيعية وعلي أرض الواقع، وثانياً:- سيصبح كل من يقوم بتطبيق فكرة برنامجك هذا سيصبح إنسان مشوه عقلياً، بل ستصبح حياته في حالة تشويش مابين الواقع والحلم، أبتسم الدكتور جمال وهو يلتفت إليه قائلا ربما يحدث ذلك، أنا أتفق معك في وجهة نظرك هذه، ولكن علينا أن نترك الخيار لكل إنسان سيقوم بتجربة البرنامج، أن يختار بين الواقع والحلم، وأيهم يفضل الأستمرار فيه، وقف المدير التنفيذي للشركة وهو يقول لهم والآن سنأخذ الأصوات بالموافقة علي البدء في تنفيذ ذلك المشروع، بصفتكم خبراء في عالم البرمجة من منكم يوافق علي تنفيذ فكرة ذلك المشروع، رفع مجموعة الخبراء الجالسين أمامه أيديهم بالموافقة، وأمتنع أحدهم عن الموافقة وهو الدكتور عادل حسنين الذي أعترض علي فكرة البرنامج في البداية، في حين صافح المدير التنفيذي للشركة جمال وهو يهنئه علي فكرة برنامجه الجديد….
أمسك المدير التنفيذي للشركة بملف كبير بين يديه وهو يقف في قاعة المؤتمرات في زهو، وهو يقول لهم مرت ثلاثة أشهر علي طرح البرنامج في الأسواق العالمية ، وحقق مبيعات تفوق الخيال، وقد حقق طفرة نوعية في عالم البرمجة العصرية، ثم ألتفت إلي جمال وهو يقول له حقاً أنه برنامج عبقري مثلك سيد جمال، أبتسم جمال في خبث وهو ينظر إلي أحد الجالسين أمامه، والذي كان يعترض علي تنفيذ فكرة برنامجه، وهو يتجاهله في الحديث قائلا لهم أعتقد أن فكرة نجاح البرنامج كانت تعتمد علي الابهار لكل من يتعامل معه بكل معاني الكلمة، والذي تم تنفيذه كان المستوي الأول من البرنامج فقط، لقد وضعت تقنية حديثة لم تستخدم داخل البرنامج بعد، تقنية تجعلنا نستطيع أن نتحكم في عقول جيل كامل بزرع الأفكار، التي نريدها منهم داخل عقولهم، بل والتحكم في أفكارهم التي نريدها منهم، وأيضا توجيههم أثناء أستيقاظهم، لخلق جيل جديد من البشرية مسلوب الارادة، جيل ينفذ مانريده نحن منهم بكل بساطة، لأنك إذا أستطعت أن تتحكم في أحلام إنسان ما بشكل كامل، تستطيع أن تجعله يفعل أي شيء تريده منه، وهذا ماكنت أتفق معك فيه دكتور عادل عندما كنت تعترض علي فكرة تنفيذ البرنامج، في البداية فهذا البرنامج يستطيع أن يصنع بشر عباقرة إذا قمنا بتوجيهم بشكل كامل وعلمي وزرعنا بداخلهم الأفكار التي نريدها منهم، وبمقدورنا أيضا صنع أجيال مشوهة فكرياً أيضا إذا تحكمنا في عقولهم بشكل كامل، وزرعنا فيهم بعض الأفكار الهدامة، فهذا البرنامج هو سلاح ذو حدين، وكل إنسان قد أمتلك ذلك البرنامج هو الآن تحت سيطرتنا بشكل كامل دون إرادته، ساد في القاعة اعتراضات كثيرة وأحاديث جانبية، مما دعي جمال إلي الجلوس حتي ساد الهدوء القاعة مرة أخري وهو يتوجه إلي شاشة العرض، ويقوم بعرض فيلم قصير لرجل كان يقف بهدوء علي جانب الطريق ينتظر توقف إشارة المرور حتي يستطيع أن يعبر الطريق، ثم فجأة أثناء قدوم سيارة مسرعة نحوه، أندفع بسرعة وهو يعبر الطريق ليقف أمامها وهي ترتطم به في قوة، ليطير جسده في الهواء بكل قوة لعدة أمتار، ثم أغلق شاشة العرض وهو يبتسم في زهو قائلا هذا الإنسان تم التحكم فيه عن طريق البرنامج، وتثبيت فكرة الإنتحار في عقله، مما دفعه إلي تنفيذها بشكل كامل، وقف عادل معترضاً وهو يقول له هذا يعني أنك قد أصبحت قاتل سيد جمال أشاح جمال بيده في حركة عصبية وهو يقول له لكل تجربة علمية جديدة ضحايا سيد عادل، ولكنك نظرت إلي الجانب السلبي في الموضوع، وتركت الجانب الإيجابي فيه، وهو أنك تستطيع أن تتحكم في عقول كل من يستخدم برنامجنا بكل سهولة، ودفعه لتنفيذ ماتطلبه منه دون إرادته، سادت الفوضي في القاعة بعد حديثه، وترك بعض الخبراء القاعة والغضب يعلو وجوههم، في حين تقدم منه المدير التنفيذي للشركة وهو يقول له كان يجب أن تطرح هذه الفكرة في أجتماع مغلق بيني وبينك فقط سيد جمال، نحن أصبح بين أيدينا الآن سلاح قاتل، ويجب أن نعرف كيف نقوم بتطويره وأستغلاله جيداً، وتعالت ضحكاتهم وهم يتركون القاعة في هدوء غير مكترثين بما حدث منذ قليل من اعتراضات علي فكرة المشروع.